استدلال الشافعية بهذا الحديث على جواز إحرام المأموم قبل إمامه فيه نظر، فليس في هذا الحديث ما يدل عليه، فالمأموم كبَّر بعد إمامه مقتديًا به، معتقدًا صحة صلاة إمامه، ولا يسعه غير ذلك امتثالًا لقوله ﷺ:(إذا كبر فكبروا)، ثم بطلت صلاة الإمام من حين تذكر أنه كان مجنبًا، وليس قبل ذلك، فلم يخرج المأموم عن كونه مقتديًا بإمام يصح الاقتداء به، فهو كمن صلى خلف إمام متطهر، ثم سبقه الحدث في أثناء صلاته في المعنى (١).
وعلى فرض أن يكون المأموم قد بقي على إحرامه، وبنى على صلاته بعد عود النبي ﷺ إلى الصلاة، فهناك فرق بين الاستدامة والابتداء، فهم لم يبتدئوا الإحرام قبل إمامهم، وإنما استداموا إحرامًا انعقد بعد تكبيرة الإمام، ثم تبين بطلان تكبيرة الإمام، والاستدامة أقوى من الابتداء، فالاستدلال أوسع من المدلول.
المناقشة الثانية:
استدلَّ الشافعية بهذا الحديث على أن الصحابة بقوا على إحرامهم، وأن النبي ﷺ حين عاد بنوا على ما مضى من صلاتهم، فلم يستأنفوا تكبيرة الإحرام؛ لأن النبي ﷺ لو أمرهم بأن يستأنفوا الصلاة لنقل ذلك، فلما لم ينقل علم أنهم قد بنوا على ما مضى من إحرامهم.
•وقد أجاب المانعون عن هذا إجابات متفاوتة، فيها القوي، وفيها الضعيف. من ذلك:
الجواب الأول:
من أهل العلم من رأى أن حديث أبي بكرة، وأنس، بأنه تذكر بعد أن استفتح الصلاة، وكبر، معارض لحديث أبي هريرة في الصحيحين، أنه تذكر قبل أن يكبر، والسبيل في الأحاديث المتعارضة هو الجمع بينها إن أمكن بلا تكلف، أو الترجيح.
فقال أصحاب الترجيح: ما في الصحيحين مقدم على غيرهما.