السفر في هذه النصوص، فالنصوص التي نقلت لنا هذه السنة كلها كانت من السنة الفعلية، تارة تأتي مطلقة دون ذكر وصف السفر، وتارة تفيد بأنه فعل ذلك في السفر، وهذه النصوص لا تقضي على النصوص المطلقة؛ لأنها فرد من أفرادها موافقة لها في حكمها، فلم تقتضِ تخصيصًا.
الوجه الثاني:
لو كان السفر شرطًا لصحة النافلة على الدابة لفهم ذلك الصحابة الذين نقلوا لنا هذه السنة من فعل الرسول ﷺ، ولم أَقِفْ على نص واحد عن فقيه صحابي يشترط أن يكون ذلك في السفر، كما نقلوا لنا اشتراطهم أن يكون التطوع على الراحلة في غير الفريضة، والله أعلم.
الدليل الثاني:
القبلة آكد من القصر؛ لأن الصلاة تقصر في السفر، ولا يعدل فيها عن القبلة مع القدرة، فلما كان في السفر القصير لا يقصر، والقصر أضعف، فالقبلة أولى بألا تجوز في السفر القصير (١).
• ويناقش:
لا يسلم أن القبلة آكد من القصر، فالقصر لما كان يطال الأركان، وهي أشد من الشروط اشترط لها ما لا يشترط للشروط، ولذلك لا يسقط الركن بالخطأ، والقبلة تسقط بالخطأ، والقصر من أحكام الفرض، وترك الاستقبال من أحكام النافلة، والنفل أوسع من الفرض، وهذا القيام لا يسقط في الفرض مطلقًا، لا في سفر، ولا حضر، ويسقط القيام في النافلة مطلقًا، في السفر والحضر، ولو مع القدرة، فكان شبه القبلة بالقيام أشبه من شبه القبلة بالقصر. والله أعلم.
* * *
(١) انظر شرح البخاري لابن بطال (٣/ ٨٧)، والتوضيح لشرح الجامع الصحيح (٨/ ٤٩٤).