دونهم الذين لا يفرقون بين الغث والسمين، والشمال واليمين انتهى.
وكتب أبو فراس الغساني صاحب التعاليق على الفوائد البهية في ترجمة مؤلف الهداية ما نصه: ذكره ابن كمال باشا من طبقة أصحاب الترجيح القادرين على تفضيل بعض الروايات على بعض برأيهم النجيح. وتعقب بأن شأنه ليس أدون من قاضيخان، وله في نقد الدلائل واستخراج المسائل شأن أي شأن، فهو أحق بالاجتهاد في المذهب، وعده من المجتهدين في المذهب إلى العقل السليم أقرب.
[آدابه وعاداته في كتابه]
اعلم أن له فيها آداباً وعادات لزوماً أو غلبة: منها إذا قال (قال ﵁ يريد نفسه، كذا قال الشيخ عبد الحق المحدث الدهلوي، وقال أبو السعود: إن صاحب الهداية إذا ذكر خاصة تصرفه يقول: قال العبد الضعيف عفا الله عنه، إلا أن بعض تلامذته بعد وفاته قدس سره غير هذه العبارة إلى: قال ﵁ اه.
وإنما لم يذكر نفسه بصيغة المتكلم تحرزاً عن توهم الأنانية، وهذا من العادات المستمرة لسادات الفقهاء والمحدثين رحمهم الله تعالى.
ومنها أنه يؤخر دليل المذهب المختار عنده على عكس ما صنعه الإمام قاضيخان في الخانية. وفي نتائج الأفكار: من عادة المصنف المستمرة أن يؤخر القوي عند ذكر الأدلة على الأقوال المختلفة، ليقع المؤخر بمنزلة الجواب عن المقدم وإن كان قدم القوي في الأكثر عند نقل الأقوال.
ومنها إذا قال (مشايخنا) يريد به علماء ما وراء النهر من بخارى وسمرقند كذا في العناية. ونقل في وقف النهر عن العلامة قاسم أن المراد بالمشايخ في الاصطلاح من لم يدرك الإمام.
ومنها إذا قال (في ديارنا) يريد به المدن التي وراء النهر، كذا يفهم من فتح القدير.
ومنها أنه يعبر عن الآية التي ذكرها فيما قبل (بما تلونا) وعن الدليل العقلي الذي ذكره فيما قبل (بما ذكرنا وما بينا) وعن الحديث الذي ذكره فيما قبل (بما روينا) كذا في نتائج الأفكار في كشف الرموز والأسرار، وربما يقول (لما بينا) مشيراً إلى الكتاب والسنة والمعقول، كذا يفهم من الكفاية في باب ما يوجب القصاص وما لا يوجبه. وفي مفتاح السعادة أنه يقول (لما ذكرنا) فيما هو أعم، ويعبر عن قول الصحابي رضي الله تعالى عنه