وقال لي قاضي القضاة بدر الدين: حكى لي جماعة بدمشق، أنه لما كان بها، وقع غلاء كثير، حتّى صارت البساتين تباع بالثمن القليل، فأعطته زوجته مُصَاغها وقالت: يا سيدي اشتر لنا به بستانًا نبقى نتفرَّج فيه، فأخذ المصاغ وتصدّق به على الفقراء، فقالت له: اشتريت بستانا؟ فقال: نعم في الجنة، وجدت الناس في شدّة فتصدّقت به، فقالت: جزاك الله خيرًا.
وكان قوَّاما بالمعروف وينهى عن المنكر، لا يحاشي فيه أصغر ولا أكبر، يرتكب فيهما الأمر الأشقّ، ويسلك المسلك الأخطر.
حكى لي الخطيب منتصر المذكور وهو ثقة ثبت، قال: حكى لي الشيخ أبو عبد الله محمد بن النعمان قال: لقيت الشيخ عز الدين يومًا نازلًا من القلعة، وسقت معه، وتحدثنا فقال: اليوم أهنت الملك الصّالح لله، وجدتُه جلس جلسةً عظيمة والناس صفوف سكوت، فلما جلست معه، قلت له: يا أيوب، ما حجّتك عند الله إذا قال لك: ألم أنُوِّلُك ملك مصر من غير احتياج إليك تبيح الخمور؟ فقال: أنا فعلت هذا! فقلت: نعم، هذه حانة بالمكان الفلاني مضمَّنة، فقال: أنا ما فعلت هذا، بل وجدته كذلك من أيام الملُوك المتقدمة، قال: فقلت له: فأنت ممَّن يقول يوم القيامة: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ﴾ (١)، فسكت ساعةً، ورسم بإبطال ذلك.
قال الشيخ أبو عبد الله: فقلت للشيخ: يا سيدي ما خفتَ منه؟ فقال: استحضرت هيبةَ الله، فكان قُدَّامي أصغر من قِطّ.
وكان يَنقم على البحرية الظاهر والمنصور وأشباههم، ويقول: ما صحَّ عندي عتقهم، فيجتمعون ويركبون إليه ليقتلوه، فيجلسون بين يديه سكوتًا، ويخرجون من عنده ويقولون: هبناه ما لقينا لنا جبائر.