للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وكان ينْقفُ (١) من يبحث معه، ويحرص على تخطئته.

وقع بيني وبينه مرات مباحث ومنازعة في النقل، منها أني قلت له: إن الرافعي قال: إن أكثر الأصحاب على جواز النظر إلى الأجنبية في الوجه والكفين إذا أمن الفتنة، فأنكر ذلك، ثم اجتمعتُ به ثاني يوم بالمدرسة القراسنقرية، فقال: الرافعي قال كما قلت، لكن من أين للرافعي هذا؟ وشرع يغالب ويتغلب.

ومنها: أني قلت له: قال النووي: إن صح العفو عن الكثير من دم البراغيث ونحوها مطلقًا، فنازع وأحضر منهاج النووي، فرآه، فشرع يؤول.

ومنها: أنه كان بعض الطلبة يقرأ عليه في أن المعيِّر إذا رجع والزرع قائم، ولم يكن يحصد قصيلًا، فإنه يبقى إلى الحصاد، فقال هو: واختلف هنا هل عليه الأجرة، وما قالوا بمثل ذلك في ما إذا باع مالك الأرض الأرض وفيها زرع، فإنه ينفي ولا أجرة، وطلب الفرق، فقلت: الفرق أن البائع لما زرع تصرَّف في ملكه، والمشتري دخل على الإبقاء، والتصرف كان في الملك، فلا يناسب أجره، والمستعير تصرف في ملك غيره، والمالك بصدد الرجوع في كل وقت، لكن التصرف كان بالإذن، فلا يناسب قلع الزرع وضياعه، ولا إشغال أرض المالك مجانًا، فجمعنا بين المصلحتين، فأبقيناه حتى لا يفسد، وألزمناه الأجرة حتى لا يشغل أرضه مجانًا، فنازع نزاعًا طويلًا لا بالرد النظري إلا بالإساءة، فتركت الاجتماع به، ومع ذلك فكان محقّقًا مدقّقًا، كثير النقل، مستحضرًا للنظائر والأشباه، لم يكن في الفقه في زمنه مثله.

توفي يوم الثلاثاء، ودفن يوم الأربعاء سابع عشر رمضان، سنة ثمان وثلاثين وسبع مئة، وقد جاوز الثمانين.

مولده سنة ثلاث وخمسين، في ما ذكر بعضهم.


(١) منه قولهم: فإذا وقف نقف الأرض بعصاه، ونَقَفَ الرُّمّانة: إِذا قَشَرَها ليَستخرج حَبَّها، وانْتَقَفْتُ الشيء: استخرجته، والمنقاف: منقار الطائر وفي تاج العروس: نقف رأسه ينقفه نقفا: ضربه حتى خرج دماغه.

<<  <  ج: ص:  >  >>