وقوله: لقد زرَّب ابن آمنة على نفسه، حيث قال:"لا نبيَّ بعدي"(١).
والعجب أن يُعتقد في شخص يقول هذا الكلام بالإسلام، فكيف بالصّلاح، ومن يصدر منه مثل ذاك بعيد عن صدور توبة أو حصول فلاح، وله أصحاب يُنسبون إليه ويعولون عليه، وكثير من العوام الأغمار مغترٌ بما أتيح له من أعمال الأخيار، وبعض من فيه فضيلة، وله في القول بالحلول أوطار، استحوذ عليهم الشيطان فأوردهم النّار وبئس القرار.
وسمعت شيخنا قاضي القضاة أبا عبد الله محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة يقول: سمعته يتكلم زمانًا طويلا بكلام تفهم مفرداته ولا تفهم مركباته.
وحكى لي شيخنا أبو حيّان أن الشيخ تقي الدين القشيري قال له مثل ذلك.
وكان بعض تلامذته عندنا بأدفو متخرقًا، ويقال له: حج، فينشد ويغنّي بقوله:
من زار ومن لا يزور … من ذا يقبّل الصخور
وكان يعرف بمحمد الخارجي.
وكان ابن سبعين مرتاض النفس؛ حكى لي عيسى بن إسحاق الإسنائي قال: رأيته بمكة جالسًا وقد قدم شخصٌ من المغاربة، فضربه ضربًا كثيرًا وهو ساكت، وأراد بعض الحاضرين منعه، فأشار أن لا يمنع، حتى تركه ومضى.
وأقام بمكة سنين، وذكر عنه أنه أظهر لسلطانها أبي نُمَي شيئًا من الشعبذة ومن
(١) هذا طرف من حديث أبي هريرة، أخرجه البخاري في الصحيح: (٣/ ١٢٧٣/ ح ٣٢٦٨) كتاب الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل، ومسلم في الصحيح: (٣/ ١٤٧١/ ح ١٨٤٢) كتاب الإمارة، باب وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء الأول فالأول.