للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

«التاريخ» كما كان يفعل أبو المحاسن! وأن عدم ذكره تفاصيل هذه الحادثة في «التاريخ» إنما كان لفداحة أمرها من الناحية الخلقية، ولأنه أسف لانتهاك المماليك حرمة دور الحرم السلطانى، فأثبت ذلك هنا وأشار إليه! ولعلنا نعثر على نسخة من مخطوط هذا «التاريخ» يوماً ما، فنعرف كنه مادته ومحتوياته.

على أننا نعرف ابن إياس بكتابه الأول «بدائع الزهور في وقائع الدهور» الذي كتبه على طريقة الحوليات الشائعة بين مؤرخى ذلك العصر، فكان يدون الحوادث شهراً بعد شهر فى الأجزاء الغير معاصرة من كتابه، ثم يوماً بعد يوم في الأجزاء الأخيرة منه. ووصف فيه أحوال مصر الداخلية إبان الفترة الأخيرة من الدولة المملوكية، دون أى تمييز لناحية خاصة منها، سواء عنده أن يكتب عن ولاية الحكام والخلفاء ووفاتهم أو خلعهم وما يصحب ذلك من ثورات داخلية وطغيان المماليك، أو عن النظم الإدارية والحربية وما بقى منها من القديم وما تجدد وما ألغى منها أو عدل، أو أن يكتب عن الحياة العامة والحالة الاجتماعية والأعياد والمواسم والحفلات الشعبية ومواكب الخلفاء السلاطين واستقبال سفراء الدول الأخرى وما يرتبط بذلك من خلع وهدايا ورسائل، أو الحالة الاقتصادية وأسعار المحاصيل والمسكوكات من الذهب والفضة والنحاس، أو ما ابتليت به البلاد من أوبئة وأمراض وتعداد من توفى أثناء مثل هذه الفصول، أو الأرصاد الجوية من خسوف القمر وكسوف الشمس وثورة العواصف وسقوط الأمطار والبرد والثلج، أو مناسيب النيل فى زمن الفيضان والتحاريق، أو ما أنشئ من مبان وعمائر ومساجد وربوع وقباب ومدافن، أو أخبار العلماء والأدباء والشعراء والأعيان وتراجم من توفى منهم يوردها فى حينها وفى مكانها بين كل تلك الأخبار يكتب عن كل هذا باختصار وعزوف عن الإطالة والإطناب، ولكن بما يدل على دقة ملاحظته وشدة استقصائه للحقائق وصرامته في الحكم على الناس دون محاباة أو تملق. وقد كان ابن إياس على صلة طيبة بالكثيرين من أعيان الدولة وكتاب السر وخواص السلطان وكان أخوه الجمالى يوسف زرد كاشاً بالقلعة،

<<  <  ج: ص:  >  >>