للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك نهب العوام بيوتهم، ولا سيما بيت قنبك المحمودي أمير سلاح فلم يتركوا في بيته شيئاً قلَّ وجلَّ، وكان تدبيرهم في تدميرهم كما قيل في المعنى:

إذا لم يكن عون من الله للفتى … فأول من يجنى عليه اجتهاده

فلما كان يوم السبت دخل جماعة من فجار الخشقدمية على الظاهر يلباى وأقاموه من على مرتبته وأدخلوه في سجن المخبأة التي تحت الحراقة، وقد وقع الاتفاق على سلطنة الأتابكى تمر بغا الظاهري وقد ترشح أمره إلى السلطنة، وأشرف الظاهر يلباى على خلعه من السلطنة، فكان مدة سلطنته بالديار المصرية شهرين إلا أربعة أيام، فكأنها سنة من النوم أو يوم أو بعض يوم كما قيل في المعنى:

ركب الأهوال في زورقه … ثم ما سلم حتى ودَّعا

ثم في أثناء ذلك اليوم قبض على قنبك المحمودي أمير سلاح، فلما طلعوا به إلى القلعة نقلوا الظاهر يلباى إلى قاعة البحرة وأدخلوا عنده قاني بك المذكور وقيدوهما، واستمرا مقيمين في البحرة هو وقاني بك ثلاثة أيام ثم توجهوا بهما إلى السجن بثغر الإسكندرية. وكان الظاهر يلباى آخر سعد المؤيدية و به زالت دولتهم كأنها لم تكن، فما كان أغنى الظاهر لبا عن هذه السلطنة، وكان يلباى عمره أرشل قليل المعرفة وعجز عن تدبير الملك، وكان يعرف بيلباي المجنون، وكان من مبتدأ أمره إلى أن بقى سلطاناً وهو في غلاسة هو ومماليكه، وكان ملبسه غلس، وسماطه غلس، وشكله سمج، سييء الأخلاق، سُوء الطباع، مقت اللسان، وكان عنده شح زائد وبخل كثير، وكانت سلطنته غلظ، وزال سعده جملة واحدة، وخرج ماله على أنحس وحه وقد نفقه على العسكر، فلما تشحطت النفقة فحسن له خاير بك الدوادار أن يكمل النفقة من ماله، وإذا جاء من المال يستعيد الذي أنفقه، فانصاغ له وأخرج ما عنده من المال الذي حصله من حين كان جندياً فنفقه جملة واحدة وضاع عليه ذلك، وكان سيء التدبير في سائر أفعاله كما قيل في المعنى:

<<  <  ج: ص:  >  >>