وهي الجبة والعمامة السوداء والسيف البداوي، فلما بايعه الخليفة تلقب بالملك الظاهر أبي سعيد، وحلف له سائر الأمراء، ثم أفيض عليه شعار الملك وقدمت إليه فرس النوبة بالسرج الذهب والكنبوش فركب من سلم الحراقة، وحمل القبة والطير على رأسه المقر السيفي جرباش كرت وقد ترشح أمره للأتابكية، فسار السلطان قاصدا للقصر الكبير، وركب الخليفة عن يمينه، ومشت قدامه الأمراء، حتى طلع من باب سر القصر الكبير فدخل وجلس على سرير الملك، وباس له الأمراء الأرض من كبير وصغير، ودقت له البشائر بالقلعة، ونزل والى القاهرة ونادى باسمه في الشوارع، وارتفعت له الأصوات بالدعاء من الخاص والعام (١)، وكان يظن كل أحد من الناس أنه في السلطنة عارية إلى أن يحضر جانم نائب الشام. - ثم في أثناء ذلك اليوم بعث جماعة من الأمراء إلى الملك المؤيد وهو في البحرة فقيدوه هو وأخاه محمد.
أقول: وكان أصل الملك الظاهر خشقدم رومي الجنس، جلبه الخواجا ناصر الدين محمد وبه يعرف بالناصري، فاشتراه منه الملك المؤيد شيخ فأقام في الطبقة مدة ثم أعتقه وأخرج له خيلا وقماشا، وصار جمدارا، ثم بقى خاصكيا في دولة الملك المظفر أحمد بن المؤيد شيخ ودام على ذلك دهرا طويلا، فلما تسلطن الظاهر جقمق أنعم عليه بأمرة عشرة في أثناء سنة ست وأربعين وثمانمائة، وصار من جملة رؤوس النوب، واستمر على ذلك إلى سنة خمسين وثمانمائة فأنعم عليه السلطان بتقدمه ألف بدمشق فتوجه إليها، ودام بها إلى أن تغير خاطر الملك الظاهر جقمق على الأمير تانى بك البردبكي حاجب الحجاب بسبب عبد قاسم الكاشف الذي كان
(١) يقول أبو المحاسن في النجوم الزاهرة ص ٦٨٦ «وخلع على الخليفة المستنجد بالله يوسف فوقانيا حريراً بوجهين أبيض وأخضر بطرز زركش وقدم له فرساً بسرج ذهب وكنبوش زركش، ثم خلع على الأمير جرباش المحمدى أطلسين متمراً وفوقانيا بوجهين بطرز زركش وأنعم عليه بفرس بقماش ذهب أيضاً، وهذه الخلعة لحمله القبة والطير على رأس السلطان وخلعة الأتابكية تكون بعد ذلك غير أن جرباش المذكور علم أنه قد صار أتابكا لحمله القبة والطير على رأس السلطان».