للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الحمد لله الذي عرّف وفهم، وعلم الإنسان ما لم يكن يعلم واسبغ (١) علي عباده نعما باطنه وظاهره، ووالي عليهم من مزيد الائه مننا متظافرة متواترة، وبثهم في أرضه حينا يتقلبون، واستخلفهم في ماله فهم به يتنعمون، وهدي قوما إلي اقنتاص شوارد (٢) المعارف والعلوم، وشوقهم للتفنن في مسارح التدبر والركض (٣) بميادين الفهوم، وأرشد قوما إلى الانقطاع من دون الخلق إليه، ووفقهم للاعتماد في كل أمر عليه، وصرف أخرون عن كل مكروه وفضيلة، وقيض لهم قرنا قادوهم إلى ذميمة من الأخلاق ورذيلة، وطبع على قلوب أخرين، فلا يكادون يفقهون قولا، وثبطهم عن سبل الخيرات فما استطاعوا قوة ولا حولا، ثم حكم على الكل بالفناء، ونقلهم جميعا من دار التمحيص (٤) والإبتلاء إلى برزخ (٥) البيود والبلاء، وسيحشرهم أجمعين إلى دار الجزاء، ليوفى كل عامل منهم عمله، ويسأله عما أعطاه وخوله، وعن موقفه بين يديه سبحانه وما أعدله لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.

أحمده سبحانه حمد من علم، أنه إله لا يعبد إلا إياه، ولا خالق للخلق سواه، حمدا يقتضى المزيد من النعماء ويوالى المنن بتجدد الآلاء. وصلى الله على سيدنا محمد عبده ونبيه ورسوله وخليله سيد البشر، وأفضل من مضي وغبر، الجامع لمحاسن الأخلاق والسير،


(١) سبغ، شئ سابغ أى كامل واف، وسبغ الشئ يسبغ سبوغا: طال إلى الأرض واتسع، وأسبغ فلان ثوبه أى أوسعه.
انظر: لسان العرب لابن منظور - طبعة دار المعارف - القاهرة «مادة سبغ» المجلد الثالث ١٩٢٧ - ١٩٢٨.
(٢) هنا بمعني أنواع.
(٣) ركض الدابة يركضها ركضا ضرب جنبيها برجله ومركضة القوس معروفة وهما مركضتان، وفلان يركض دابته وهو ضربه مركلييها برجليه ..
أنظر: لسان العرب ٣/ ١٧١٨ - ١٧١٩.
(٤) بمعنى الشدايد.
(٥) البرزخ ما بين كل شيئين من حاجز، وفى الصحاح الحاجز بين الشيئين، والبرزخ ما بين الدنيا والأخرة قبل الحشر من وقت الموت إلى البعث، فمن مات فقد دخل البرزخ.

<<  <   >  >>