وامتنع من دخول المراكب إليه وهو إلى اليوم على ذلك لا يقدر المراكب الكبار أن تدخل فيه، وإنما ينقل ما فيها من البضائع في مراكب صغار، وتصير المراكب واقعة في البحر المالح عند فم بحر النيل، قريبا ملتقى البحرين. وكان فى قديم الزمان على فم بحر النيل من ثغر دمياط سلسلة من حديد من البر إلى البر، وذلك فى زمان القبط الذى كانوا على مصر فى زمان المقوقس، وكان على دمياط ملك يقال له الهاموك وقد تقدم ذكره فى أول فتح دمياط، وقد صارت دمياط تتزايد بالعمارة من دولة الملك الظاهر بيبرس إلى يومنا هذا، وقد صار فيها الأسواق والحمامات والجوامع والمدارس ودورها تشرف على بحر النيل، ومن ورائها البساتين وقد صارت من أحسن بلاد الله منظرا. وقد قال فيها الشيخ شهاب الدين المنصورى الشهير بالهايم شعر:
لعمرك ما دمياط إلا جندنة … تهيم الورى منها بأحسن منظر
وذات جمال أن تبسم ثغرها … تبسم من مغناه عن عقد جوهر
لها ناظر منه تصول بأبيض … وتطعن من فتح القوام باسمر
وقد قال من طاف بلد الشمال إلى سمرقند ما رأى أحسن من دمياط ولا أحسن من بساتينها ولا من حسن منظرها. وقد قال الشيخ شهاب الدين المقريزى: قد كنت أقول أن دمياط ليس بها هذا الوصف العظيم إلى أن شاهدتها فإذا هى جنة على وجه الأرض، ليس فى ملك مصر أعظم رؤيا منها وفيها قلت عند رؤيتها بشعر.
سقى عهد دمياط وحياة من عهد … فقد زادني ذكره وجداه على وجد
ولا زالت الأنواء سقى سحابها … ديارا حكمت من حسنها جنة الخلد
فيأحسن هاتيك الديار وطيبها … فكم قد حوت حسنا نجل عن الحد
ولا سيما تلك النواعير أنها … تجدد حزن الواله المدنف الفرد