للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أخبار النوبة: ومسافة ما بين دنقلة إلى بلاد علوة أكثر مما بين دنقلة وأسوان، وفى ذلك من القرى والضياع والجزائر والمواشى والنخل والشجر والمقل والزرع والكرم أضعاف ما فى الجانب الذى يلى أرض الإسلام.

وفى هذه الأماكن جزائر عظيمة مسيرة أيام، وفيها الحيات (١) والوحوش، ومفاوز يخاف فيها العطش، وماء النيل ينعطف من هذه النواحى إلى مطلع الشمس وإلى مغربها مسافة أيام، وهذا مكان يعرف بشنقير، ومنه يخرج القمرى وفيه يكون فرس البحر.

قال سيمون: صاحب عهد علوة، أنه آحصى فى جزيرة سبعين دابة منها وهى فى خلقة الفرس غلظ الجاموس، قصيرة القوائم، لها خف، وهى فى ألوان الخيل بأعراف وآذان صغار كأذان الخيل وأعناقها وأذنابها مثل أذناب الجواميس، ولها صهيل كالخيل وأنياب لا يقوم حذاءها تمساح، وتعترض لبعض المراكب فتغرقها، ورعيها فى البر العشب، وحافرها مشقوق كحافر البقر وهو يأكل التمساح أكلا ذريعا.

وأتفق أن بعض الناس نزل على شاطئ النيل ومعه حجرة، فخرج من الماء فرس أدهم عليه نقط بيض، فتراما على الحجرة فحملت منه وولدت مهرا عجيب الحلقة، فطمع فى مهر آخر فجاء بالحجرة والمهر إلى ذلك الموضع، فخرج الفرس من الماء وشم المهر ساعة، ثم وثب فى الماء وتبعه المهر إلى الماء، فصار الرجل يتعاهد ذلك المكلن كثيرا، فلم يعد الفرس ولا المهر إليه.

قال المسعودى: والفرس يكون فى نيل مصر إذا خرج من الماء وإنتهى وطئه إلى بعض المواضع من الأرض، علم أهل مصر أن النيل يزيد إلى أن يبلغ ذلك الموضع بعينه وذلك عندهم لا يختلف لطول العادات والتجارب.

وفى ظهوره من البحر ضرر للغلات والزرع، وذلك أنه يظهر فى الليل ينتهى إلى موضع من الزرع، ثم يولى عائدا إلى الماء فيرى فى حال رجوعه من الموضع الذى إنتهى إليه مسيرة، ولا يرعى من ذلك الذى قد رعاه فى ممره شيئا، وإذا رعى وورد الماء وشرب منه، ثم قذف ما فى جوفه فى مواضع شتى، فينبت ذلك مرة ثانية.

وإذا كثر ذلك من فعله، واتصل ضرره بأرباب الضياع طرحوا له شيئا من الترمس فيأكله


(١) وردت فى الأصل الجبال.

<<  <   >  >>