وأسمعه يعقوب بن المضا (٨٩)، كلا ما غليظا فيما ينفذه من الحق عليهم، بحضرة ابن الأغلب، فقال له سحنون: أين أنت من هذا القول، إذ جيء بك، وفى عنق يعقوب حبل كالكلب؟
ثم خرج سحنون، فقال يعقوب للأمير: شيخ من مشايخك، وعم من أعمامك، يفعل بي سحنون بين يديك مثل هذا، ولا يرى لمجلسك حرمة؟
فقال الأمير لأصحاب الأعمدة: لو قتلتموه ما كنت أصنع بكم. فعافاه الله.
***
ولما رأى سحنون حال الطبنى، وفهم المراد، لزم داره مدة، وترك الجامع، وكان الطبني يحكم في الجامع، وحبيب أيضا صاحب مظالم سحنون ينظر، إلى أن بلغه أن الطبنى مد يده إلى بعض أصحابه، فخرج سحنون إلى الجامع، وسمع بذلك الناس، فأتوا إليه من كل جهة، فخرج الطبنى من الجامع إلى داره، فكان ينظر في داره، وسحنون في الجامع، على عادته، نحوا من أربعين يوما، إلى أن توفى رحمه الله تعالى.
وكتب زيادة الله بن الأغلب إلى علماء أفريقية يسألهم عن مسألة، فأخبروه، إلا سحنون، فعوتب في ذلك، فقال: أكره أن أجيبه فيكتب إلى ثانية، استثقالا لمعرفة الأمراء.
فقال له إبراهيم بن عبدوس في مثلها: اخرج من بلد القوم، أمس لا تصلى خلف قاضيهما واليوم لا تجيب في مسألتهم!
فقال سحنون: أجيب رجلا يتفكه بالدين؟ لو علمت أنه يقصد الحق أجبته. وذلك قبل قضائه.
[ذكر محنته]
قال غير واحد من العلماء بالأثر: كان سحنون قد حضر جنازة، متقدم ابن أبي الجواد الذي كان قاضيا قبله، وكان يذهب إلى رأى الكوفيين،