للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال ابن لبابة: كنت يومًا عند أبى وهب في جنته، بقرب مقبرة قريش، وكان يعتمرها بيده في نفر من الطلبة يسمع عليه، إذ حضر غذاؤه، فقدمه إلينا نأكل معه، إذ استأذن عليهم هاشم بن عبد العزيز الوزير، فأذن له على تكره، ودخل ونحن نأكل خبزا أدمه من بقل الجنة، فجلس، وجعل يداعب الشيخ لظرفه، والشيخ لا ينبسط، ويقول: أبا وهب! أما تدعونا إلى طعامك؟ تخاف أن ننتهبه؟

فقال: أنه ليس من الأطعمة التي توافقك.

قال: وإن لم يكن، فأنا أتبرك به.

ومد هاشم يده إلى لقمة من الحبز، فغمسها في البقل، وجعل يلوكها ولا يسيغها.

فلما فرغنا سأل الشيخ عن مسألة فقه جاء لها، فأجابه، وقام هاشم لينصرف، فتحركت لأقوم معه، فضرب الشيخ على يدى وأجلسنى حتى خرج، ثم قال لي: ما أردت؟

قلت: إكرامه في مجلسك.

فقال: بئس ما صنعت، إن كنت تطلب العلم لله فأعزه يعزك الله، وإن كنت تطلبه للدنيا فكن خادما من خدمة هؤلاء، متصرفا بين أيديهم، فهو أنفق لك عندهم، وأكسد لك عند ربك.

فحافظت بعد ذلك على وصاته.

وتوفى سنة إحدى وستين، في صفر منها، وقيل في ربيع الأول.

[محمد بن يوسف بن مطروح بن عبد الملك]

ابن أبي السيرا، عبد العزيز بن عبد الله بن مهران بن عدي، ابن بكر بن وائل، من أهل قرطبة، يكنى أبا عبد الله، وكان أعرج، وبذلك يعرف.