للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد رد أبو العلاء الهمداني رحمه الله على ابن الجوزي حينما علم أن ابن الجوزي حكم على بعض أحاديث المسند بالوضع (١). وقد حقق هذه المسألة شيخ الإسلام ابن تيمية تحقيقا علميا طيبا، حيث قال بعد أن ذكر أن الإمام أحمد لا يروي عمن يتعمد الكذب: "ولهذا تنازع أبو العلاء الهمداني والشيخ أبو الفرج بن الجوزي: هل في المسند حديث موضوع؟ فأنكر الحافظ أبو العلاء أن يكون في المسند حديث موضوع. وأثبت ذلك أبو الفرج. وبين أن فيه أحاديث قد قام دليل على أنه باطل، وإن كان المحدث به لم يتعمد الكذب، بل غلط فيه، ولهذا روى في كتابه الموضوعات أحاديث كثيرة من هذا النوع. وقد نازعه طائفة من العلماء في كثير مما ذكره، وقالوا: إنه ليس مما يقوم دليل على أنه باطل، بل بينوا ثبوت بعض ذلك. لكن الغالب على ما ذكره في الموضوعات أنه باطل باتفاق العلماء. وأما الحافظ أبو العلاء وأمثاله، فإنما يريدون بالموضوع: المختلق المصنوع الذي تعمد صاحبه الكذب، والكذب كان قليلا في السلف" (٢).

كما بين شيخ الإسلام في موضع آخر: أنه لا يروي عن المعروفين بالكذب فقال: "وليس كل ما رواه أحمد في المسند وغيره، يكون حجة عنده، بل يورد ما رواه أهل العلم. وشرطه في المسند: أن لا يروى عن المعروفين بالكذب، وإن كان في ذلك ما هو ضعيف. وشرطه في المسند أمثل من شرط أبي داود في سننه" (٣).

وقد بين الذهبي أن في المسند أحاديث موضوعة قليلة فقال: "ففيه جملة من الأحاديث الضعيفة مما يسوغ نقلها، ولا يجب الاحتجاج بها. وفيه أحاديث معدودة شبه موضوعة، ولكنها قطرة في بحر. وفي غضون


(١) انظر: صيد الخاطر لابن الجوزي (ص٢٤٥، ٢٤٦).
(٢) قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة لابن تيمية (ص٨١).
(٣) منهاج السنة النبوية لابن تيمية (٤/ ٢٧).