شرك ولا وثنية، أما إن كان المتوسل به هو ذوات المخلوقين وأشخاصهم فهذا بدعة ووسيلة إلى تعظيمهم وإعطائهم ما لا يستحقه إلا الله فهو بدعة أو وسيلة إلى الشرك، والوسائل لها أحكام المقاصد، فهو وإن لم يكن شركا صريحا لكنه ذريعة إليه، وقد جاءت الشريعة بسد الذرائع وقطع الأسباب التي توقع في الشرك، فإن البناء على القبور وتجصيصها وإسراجها والصلاة عندها إنما منع منه لكونه ذريعة ووسيلة إلى الغلو في أهلها، ومن ثم دعاؤهم وعبادتهم من دون الله، فهكذا سؤال الله بجاه الأولياء والأنبياء أو بحقهم أو الاستشفاع بهم أو الإقسام على الله بهم، ونحو ذلك هو من هذا النوع، ولو كان الداعي في الحقيقة إنما دعا الله وسأله فإنه بتوسله قد ابتدع وتوسل إلى الله بحق مخلوق مع أنه لا حق للمخلوق على الخالق إلا ما تكرم به وتفضل به على عباده من الوفاء بوعده فهو لا يخلف الميعاد.
ثم قال الكاتب في السطر الرابع والعشرين من الصفحة الثالثة:
ومن أسف أن الوهابية قالوا: إن التوسل برسول الله شرك.
وجوابه: يعرف مما سبق وهو الإنكار لهذا المقال، فإن التوسل بمحبته وطاعته والتأسي به جائز لأن هذه الأشياء من أفضل القربات، فلك أن تقول: اللهم إني أسألك وأتوسل إليك بمحبتي لك ولرسلك وطاعتي لك ولرسولك أن تعطيني وتهب لي ونحو ذلك، فأما التوسل بذاته صلى الله عليه وسلم في حضوره أو مغيبه أو بعد موته، مثل الإقسام بذاته أو بغيره من الأنبياء، أو السؤال بنفس ذواتهم لا بدعائهم، فهذا لا نقول إنه شرك لكنه بدعة ووسيلة إلى الشرك، ولم يفعله الصحابة ولا السلف الصالح، فإن عمر رضي الله عنه توسل بالعباس لما أجدبوا وقصد بذلك دعاءه لكبر سنه وفضله، وكذا معاوية ومن معه توسلوا بيزيد بن الأسود الجرشي لصلاحه وتقاه ولم يتوسلوا بنبي الله لا عند قبره ولا غير قبره، وقد كان من الممكن أن يأتوا إلى قبره فيتوسلوا به بأن يقولوا نسألك أو نتوسل إليك بنبيك أو بجاه نبيك ونحوه كما هو الواقع من هذا الكاتب وأضرابه، وبالجملة فنحن لا نقول إن التوسل بالأنبياء شرك، ولكنه بدعة ووسيلة إلى الشرك فننهى عنه.
ثم قال الكاتب: وما أنكروه وحاربوه ثابت في كتابهم (الورد المصفى