للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولو جرى الأمان من مسلم، ولم يبلغ الخبر الكافر، فابتدره هذا الذي أمّنه، جاز؛ فإن الأمان لا استقلال له قبل بلوغ الخبر.

وإن خاطب كافراً بأمانٍ، ولم يقبل ولم يردّ، فهذا فيه تردّد (١)، والرأي الظاهر أنه لا بدّ من قبوله، ثم لا يشترط أن يعبر عن القبول، بل لو أشار له، أو بدت عليه مخايل القبول، كفى ذلك؛ فإن أصل الأمان إذا كان لا يفتقر إلى القول ممن هو من أهل القول، فالقبول في معناه.

ثم الأمان لا يلزم الكافر وإن قبله؛ فإنه لا يزيد على الذمّة، وللذمي أن ينبذ إلينا الذمة ويلتحق بدار الحرب، وكذلك القول في المؤمَّن، وهو لازم من جانب المسلم المؤمِّن، كما تلزم الذمّة من جانب الإمام.

١١٣٥٧ - ومما يتصل بهذا أنا سنذكر -إن شاء الله تعالى- ما ينقض الذمةَ من الأمور الصادرة من الذمي في كتاب الجزية، ونذكر أن توقع الخيانة لا يوجب نبذَ الذمة، وإذا خاف المسلم المؤمِّن خيانةً ممّن أمّنه، نبذ إليه الأمان؛ فإن المبيح للأمان لآحاد الناس ما يتوقع من انتفاع المؤمِّن بأمان الكافر، فإذا كان لا يأمن الكافر، فلا خير في الأمان، وقد نصّ الرب تعالى على ذلك، فقال عز وجلّ: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} [الأنفال: ٥٨]، والآية في المهادنة، كما سيأتي وصفها -إن شاء الله تعالى- فإذا جرى هذا في المهادنة، فأمان الآحاد بذلك أولى، وهذا يتم إذا ذكرنا المهادنة والذمة في موضعهما.

ولو أمن المسلم كافراً، فقبل أَمْنه، وقال: لست أؤمنك مني، فكن آخذاً حذرك مني، وقد قبلت أمانك لي، فهذا ردٌّ للأمان؛ فإن الأمان لا يصح في أحد الطرفين دون الثاني. ولعلّ سبب اشتراط القبول هذا.

ولا خلاف أن الأمان يقبل التعليق بالأعذار، وسيأتي من ذلك قدرٌ صالح في مسألة العِلْج إن شاء الله تعالى.


(١) حكى النووي هذا التردد عن الإمام (ر. الروضة: ١٠/ ٢٨٠).