للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الذمة؛ فإن مطلقه يتضمّن عصمة الأموال، كما سيأتي ذلك مشروحاً -إن شاء الله تعالى- في كتاب الجزية.

وشبّبَ بعض أصحابنا بأن الأمان يتناول الأموال التي هي مع الكافر، وسلك فيه مسلك التقرير، فقال: يبعد أن يجوز سلب ثياب من أمّنه مسلم، وإذا بعد ذلك، فالمال الذي في رَحْله بمثابة الثياب التي على بدنه، ولا خلاف في تصحيح عقد الأمان مع التصريح بالتخصيص بالدم والنفس، والذمةُ لا تعقد كذلك، كما سيأتي، إن شاء الله عزوجل.

وهذا التردد يرجع إلى حكم اللفظ وما يقتضيه إطلاق الأمان، والأصح أن مطلَقَه لا يتناول المال الذي معه، وأجرى الأئمة هذا التردّد في زوجاته، وذراريه الذين هم معه، ثم إذا حُقن دمُه بالأمان، فلو قتله قاتل، فالوجه عندنا القطع بأنه يضمن [بما] (١) يُضمن به المعاهَد والذمي، وليس حقن دم المؤمّن بمثابة تحريم قتل الحربية؛ فإن الحربية ذاتُ الشرع دفع القتلَ عنها في حالٍ، وبسط الأيدي إلى سبيها وإرقاقها، فليس ارتفاع القتل عنها للأمان. فهذا حكم الأمان.

١١٣٥٦ - [فأما] (٢) ما يصح به الأمان، فإن جرى لفظٌ مشعر، فذاك، وإن أشار مسلم، بإثبات الأمان لكافر، وأفهم بإشارته، جرت الإشارة مجرى العبارة -باتفاق الأصحاب- مع القدرة على العبارة. وهذا مبناه على الاتساع، وقد تمس الحاجة إلى إبدال العبارة بالإشارة، أو إلى الاكتفاء بالكتابة، ثم لم يُخصص هذا بقيام الحاجة، حتى يجري مجرى العلّة المطّردة المنعكسة.

ومما يجب الاعتناء به أن انعقاد الأمان يستدعي علمَ المؤمَّن به وقبوله، حتى لو أمّن المسلمُ كافراً، وهو جاهل بالعقد، لجاز لكل من ظفر به قتله واسترقاقه، ولو علم بإيجاب (٣) عقد الأمان له، فلم يقبله، وردّ، فلا يصحّ الأمان، فإن قبله، انعقد الأمان حينئذٍ.


(١) زيادة من المحقق.
(٢) في الأصل: " فهذا ".
(٣) بإيجاب: أي الإيجاب المقابل للقبول.