للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(١٨) - ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾.

﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ﴾؛ أي: لا يستقيم ولا يصحُّ عمارة مساجد الله تعالى إلَّا ممَّن آمن، وجمعَ بين الكمالات العلميَّة والعمليَّة.

والإيمان باليوم الآخر المتضمِّنُ للتَّصديق بالمعاد الجسماني لا يكون إلا بطريق السَّمع، فهو بهذا الاعتبار يشمل الإيمان بنبيِّنا ؛ لأنَّ المعاد الجسماني لم يُذكَر في غير القرآن من الكتب السَّماوَّية (١)، هذا هو الوجهُ لعدم ذكر الإيمان به ، وأمَّا قوله: ﴿وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ﴾ فلم يغنِ عنه؛ لأنهما يجوز أنْ يُؤخَذا من سائر الشَّرائع.

والعمارةُ تتناول رمَّ ما استَهدمَ منها، وتنظيفَها، وتنويرها بالمصابيح، وتمهيدَ الفُرُش، وإقامةَ الصلوات، وإقامةَ الذِّكر وتلاوة القرآن ودراسة العلوم، وصيانتَها مما لم تُبْنَ له كحديث الدُّنيا وسائر الفضول.

﴿وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ﴾ المراد من الخشية: هو الرَّهبة والهيئة والانقماعُ اللَّازمة من تصوُّر عظمة الله تعالى، لا الانفعالُ الجِبِلِّيُّ الذي هو الخوف؛ فإنه ليس بإراديٍّ، وأمَّا هذه فإنَّه من لوازم التَّقوى؛ لأنَّ عِظَمَ الخالق في قلب المؤمن يصغِّرُ المخلوق في عينه، فلا خشية له من غيره.

﴿فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾ في ذكره بصيغة التَّوقُّع قطعٌ لأطماع


(١) لم أقف على هذا التعليل عند أحد من المفسرين، وهو غريب فكيف لا يذكر في الكتب السماوية مثل هذا الأمر العظيم الذي هو من أركان الإيمان التي اتفقت عليها الشرائع كلها.