الْعَامِلُ، وَتَأَوَّلُوا هَذِهِ الْآيَةَ بِأَنَّ أَوْ لِلتَّخْيِيرِ، وَالْمَعْنَى إِذَا رَآهُمُ الرَّائِي تَخَيَّرَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ: هُمْ
مِائَةُ أَلْفٍ، أَوْ يَقُولَ: يَزِيدُونَ.
وَيُرَجِّحُهُ أَنَّ الْمَعْطُوفَ بِ أَوْ غَيْرُ مُفْرَدٍ بَلْ هُوَ كَلَامٌ مُبِينٌ نَاسَبَ أَنْ يَكُونَ الْحَرْفُ لِلْإِضْرَابِ. وَالْفَاءُ فِي فَآمَنُوا لِلتَّعْقِيبِ الْعُرْفِيِّ لِأَنَّ يُونُسَ لَمَّا أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَدَعَاهُمُ امْتَنَعُوا فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ فَأَخْبَرَهُمْ بِوَعِيدٍ بِهَلَاكِهِمْ بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ خَافُوا فَآمَنُوا كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ [يُونُس: ٩٨] .
[١٤٩]
[سُورَة الصافات (٣٧) : آيَة ١٤٩]
فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (١٤٩)
تَفْرِيعٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْإِنْكَارِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَإِبْطَالِ دَعَاوِيهِمْ، وَضَرَبَ الْأَمْثَالَ لَهُمْ بِنُظَرَائِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ فَفَرَّعَ عَلَيْهِ أَمْرَ الله رَسُوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِبْطَالِ مَا نَسَبَهُ الْمُشْرِكُونَ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْوَلَدِ. فَضَمِيرُ الْغَيْبَةِ مِنْ قَوْلِهِ: فَاسْتَفْتِهِمْ عَائِدٌ عَلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ يُعْلَمُ مِنَ الْمَقَامِ. مِثْلَ نَظِيرِهِ السَّابِقِ فِي قَوْلِهِ: فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا [الصافات: ١١] . وَالْمُرَادُ:
التَّهَكُّمُ عَلَيْهِمْ بِصُورَةِ الِاسْتِفْتَاءِ إِذْ يَقُولُونَ: وُلَدَ اللَّهُ، عَلَى أَنَّهُمْ قَسَّمُوا قِسْمَةً ضِيزَى حَيْثُ جَعَلُوا لِلَّهِ الْبَنَاتِ وَهُمْ يَرْغَبُونَ فِي الْأَبْنَاءِ الذُّكُورِ وَيَكْرَهُونَ الْإِنَاثَ، فَجَعَلُوا لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ.
وَقَدْ جَاءُوا فِي مَقَالِهِمْ هَذَا بِثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ مِنَ الْكُفْرِ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُمْ أَثْبَتُوا التَّجْسِيمَ لِلَّهِ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ مِنْ أَحْوَالِ الْأَجْسَامِ.
الثَّانِي: إِيثَارُ أَنْفُسِهِمْ بِالْأَفْضَلِ وَجَعْلُهُمْ لِلَّهِ الْأَقَلَّ. قَالَ تَعَالَى: وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ [الزخرف: ١٧] .
الثَّالِثُ: أَنَّهُمْ جَعَلُوا لِلْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَصْفَ الْأُنُوثَةِ وَهُمْ يَتَعَيَّرُونَ بِأَبِي الْإِنَاثِ، وَلِذَلِكَ كَرَّرَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْأَنْوَاعَ مِنْ كُفْرِهِمْ فِي كِتَابِهِ غَيْرَ مَرَّةٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute