وَالْمُجْرِمُونَ هُمُ الْمُشْرِكُونَ. وُضِعَ الظَّاهِرُ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ لِلتَّنْصِيصِ عَلَى أَنَّهُمُ الْمُرَادُ وَلِإِجْرَاءِ وَصْفِ الْإِجْرَامِ عَلَيْهِمْ. وَخَصَّ الْمُجْرِمِينَ لِأَنَّهُمُ الْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الْآيَاتِ كُلِّهَا لِإِيضَاحِ خَفِيِّ أَحْوَالِهِمْ لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ.
وَقَرَأَ نَافِعٌ، وَابْنُ كَثِيرٍ، وَابْنُ عَامِرٍ، وَأَبُو عَمْرٍو، وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ، وَأَبُو جَعْفَرٍ، وَيَعْقُوبُ- بِتَاءٍ مُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ فِي أَوَّلِ الْفِعْلِ- عَلَى أَنَّهَا تَاءُ خِطَابٍ. وَالْخِطَابُ لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَرَأَهُ حَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ، وَخَلَفٌ- بِيَاءِ الْغَائِبِ-، ثُمَّ إِنَّ نَافِعًا، وَأَبَا جَعْفَرٍ قَرَأَ سَبِيلَ- بِفَتْحِ اللَّامِ- عَلَى أنّه مفعول لِتَسْتَبِينَ فَالسِّينُ وَالتَّاءُ لِلطَّلَبِ. وَقَرَأَهُ الْبَقِيَّةُ- بِرَفْعِ اللَّامِ- عَلَى أَنَّهُ فَاعِلُ «يَسْتَبِينَ» أَوْ «تَسْتَبِينَ» . فَالسِّينُ وَالتَّاءُ لَيْسَا لِلطَّلَبِ بَلْ لِلْمُبَالَغَةِ مِثْلُ اسْتَجَابَ.
وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ، وَابْنُ كَثِيرٍ، وَأَبُو عَمْرٍو، وَحَفْص، على عَاصِمٍ- بِرَفْعٍ- سَبِيلُ عَلَى أَنَّ تَاءَ الْمُضَارَعَةِ تَاءُ الْمُؤَنَّثَةِ. لِأَنَّ السَّبِيلَ مُؤَنَّثَةٌ فِي لُغَةِ عَرَبِ الْحِجَازِ، وَعَلَى أَنَّهُ مِنِ اسْتَبَانَ الْقَاصِرُ بِمَعْنَى بَانَ فَ سَبِيلُ فَاعل لِتَسْتَبِينَ، أَيْ لِتَتَّضِحَ سَبِيلُهُمْ لَك وَلِلْمُؤْمنِينَ.
[٥٦]
[سُورَة الْأَنْعَام (٦) : آيَة ٥٦]
قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (٥٦)
اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ عَادَ بِهِ الْكَلَامُ إِلَى إبِْطَال الشّرك بالتبري مِنْ عِبَادَةِ أَصْنَامِهِمْ فَإِنَّهُ بَعْدَ أَنْ أَبْطَلَ إِلَهِيَّةَ الْأَصْنَامِ بِطَرِيقِ الِاسْتِدْلَالِ مِنْ قَوْلِهِ قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا [الْأَنْعَام: ١٤] الْآيَةَ. وَقَوْلِهِ: قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ [الْأَنْعَام: ٤٠] الْآيَةَ وَقَوْلِهِ:
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ [الْأَنْعَام: ٤٦] الْآيَةَ. جَاءَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِطَرِيقَةٍ أُخْرَى لِإِبْطَالِ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ وَهِيَ أَنَّ اللَّهَ نَهَى رَسُولَهُ- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- عَنْ عِبَادَتِهَا وَعَنِ اتِّبَاعِ أَهْوَاءٍ عَبَدَتِهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute