فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ [الْبَقَرَة: ٢٦٥] الْآيَاتِ.
وَالْأَظْهَرُ- مِنْ سِيَاقِ الْكَلَامِ وَصَنْعِ التَّرَاكِيبِ مِثْلُ قَوْلِهِ: قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ [الْكَهْف: ٣٧] إِلَخْ فَقَدْ جَاءَ (قَالَ) غَيْرُ مُقْتَرِنٍ بِفَاءٍ وَذَلِكَ مِنْ شَأْنِ حِكَايَةِ الْمُحَاوَرَاتِ الْوَاقِعَةِ، وَمِثْلُ قَوْلِهِ: وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَما كانَ مُنْتَصِراً [الْكَهْف: ٤٣]- أَنْ يَكُونَ هَذَا الْمَثَلُ قِصَّةً مَعْلُومَةً وَلِأَنَّ ذَلِكَ أَوْقَعُ فِي الْعِبْرَةِ وَالْمَوْعِظَةِ مِثْلُ الْمَوَاعِظِ بِمَصِيرِ الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ.
وَمَعْنَى جَعَلْنا لِأَحَدِهِما قَدَّرْنَا لَهُ أَسْبَابَ ذَلِكَ.
وَذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالْأَعْنَابِ وَالنَّخْلِ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢٦٦] .
وَمَعْنَى حَفَفْناهُما أَحَطْنَاهُمَا، يُقَالُ: حَفَّهُ بِكَذَا، إِذَا جَعَلَهُ حَافًّا بِهِ، أَيْ مُحِيطًا، قَالَ تَعَالَى: وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ [الزمر: ٧٥] ، لِأَنَّ (حَفَّ) يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ فَإِذَا أُرِيدَ تَعْدِيَتُهُ إِلَى ثَانٍ عُدِّيَ إِلَيْهِ بِالْبَاءِ، مِثْلُ: غَشِيَهُ وَغَشَّاهُ بِكَذَا. وَمِنْ مَحَاسِنِ الْجَنَّاتِ أَنْ تَكُونَ مُحَاطَةً بِالْأَشْجَارِ الْمُثْمِرَةِ.
وَمَعْنَى وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً أَلْهَمْنَاهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَهُمَا. وَظَاهِرُ الْكَلَامِ أَنَّ هَذَا الزَّرْعَ كَانَ فَاصِلًا بَيْنَ الْجَنَّتَيْنِ: كَانَتِ الْجَنَّتَانِ تَكْتَنِفَانِ حَقْلَ الزَّرْعِ فَكَانَ الْمَجْمُوعُ ضَيْعَةً وَاحِدَةً.
وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ الزَّرْعِ فِي سُورَةِ الرَّعْدِ.
وكِلْتَا اسْمٌ دَالٌّ عَلَى الْإِحَاطَةِ بِالْمُثَنَّى يُفَسِّرُهُ الْمُضَافُ هُوَ إِلَيْهِ، فَهُوَ اسْمٌ مُفْرَدٌ دَالٌّ
عَلَى شَيْئَيْنِ نَظِيرُ زَوْجٍ، وَمُذَكَّرُهُ (كِلَا) . قَالَ سِيبَوَيْهِ: أَصْلُ كِلَا كِلَوْ وَأَصْلُ كِلْتَا كِلْوَا فَحَذَفَتْ لَامُ الْفِعْلِ مِنْ كِلْتَا وَعُوِّضَتِ التَّاءُ عَنِ اللَّامِ الْمَحْذُوفَةِ لِتَدُلَّ التَّاءُ عَلَى التَّأْنِيثِ.
وَيَجُوزُ فِي خَبَرِ كِلَا وَكِلْتَا الْإِفْرَادُ اعْتِبَارًا لِلَفْظِهِ وَهُوَ أَفْصَحُ كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ. وَيَجُوزُ تَثْنِيَتُهُ اعْتِبَارًا لِمَعْنَاهُ كَمَا فِي قَوْلِ الْفَرَزْدَقِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute