للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عرفنا هذا القول وفي ضمنه دليله وهو أن التحديد ليس موجوداً في الكتاب والسنة والقاعدة التي اتفق عليها الفقهاء أن كل لفظ جاء في الشرع ليس له حد لافي اللغة ولا في الشرع فإنه يرجع في تحديده إلى العرف.

فالسفر جاء مطلقاً في الشرع ولم يحدد فنرجع في تحديده إلى العرف.

= القول الخامس: أنه ميل فقط وهذا هو مذهب ابن حزم والميل يساوي كيلوين فقط.

واستدل ابن حزم بأن الشارع الحكيم ربط أحكام السفر على السفر وأقل ما جاء في الشرع أنه ميل فإنه صح عن ابن عمر رضي الله عنه وهو من أهل اللغة - يقول ابن حزم - الذين يرجع إلى أقوالهم أنه سمى الخروج ميل سفراً فهذا أقل ما جاءنا فنتمسك به.

= القول السادس: أن المسافة بريد وهذا اختيار شيخ الاسلام لو قلنا بالتحديد بالمسافة فيقول أننا لو أردنا التحديد بالمسافة لحددنا ببريد.

وهو يساوي تقريباً اثنين وعشرين كيلو.

الدليل: قال: الشارع سمى قطع مسافة بريد قطعاً في حديثين:

- الحديث الأول: وهو الأصح. ما ثبت في الصحيحين وفي غيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قصر في عرفة وقصره صلى الله عليه وسلم في عرفة قصر سفر هو ومن معه من أهل مكة والفاكهي يقول - في أخبار مكة - بين مكة وعرفة بريد.

- الحديث الثاني: الذي سمى فيه الشارع قطع مسافة بريد سفراً ما تقدم معنا الآن: (لا يحل لمرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسافة بريد) فسمى مسافة البريد سفراً.

ولا شك بعد أن سمعتم هذه الأقوال منسوبة لكبار أهل العلم أنكم عرفتم أن في المسألة إشكال ويظهر الإشكال جلياً من التفاوت الكبير بين مائة وثلاثة وثلاثين كيلو إلى اثنين كيلو مروراً بثمانين واثنين وسبعين وثمان وثمانين واثنين وعشرين ... إلى آخره ...

الراجح:

الحقيقة كما قلت أن المسألة مشكلة.

- أما اختيار شيخ الاسلام وابن القيم فهو قول لا يكاد ينضبط ويشكل جداً في التطبيق لا سيما مع سهولة المواصلات في عصرنا هذا مما يختلط معه تماماً ما يسمى سفراً وما يسمى خروجاً بلا سفر.

- ثانياً: أقوى الأقوال فيما يظهر لي من جهة الأدلة القول الأخير وهو البريد لأن الإنسان يطمأن إلى أن الشارع بنفسه سمى قطع هذه المسافة سفراً.

وقلت لكم هذا اختيار شيخ الاسلام إذا قلنا بالتحديد بالمسافة.

لكن كونه يقال إذا خرج الإنسان وقطع مسافة اثنين وعشرين كيلو يصبح مسافراً أيضاً أقل ما نقول أنه قد يتردد الإنسان بالجزم به مع أنه لا شك أن أهل مكة لما خرجوا إلى عرفة قصروا لأنهم قطعوا مسافة بريد.

فمن الجهة العلمية هو قوي جداً وهو أقوى مما رجحه ابن حزم بقوله: ميل فإن اختيار الميل ضعيف جداً وسيأتينا الآن.

<<  <  ج: ص:  >  >>