للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وروى أيضا حديث: "لا يوردن ممرض على مصح"، أي صاحب إبل مريضة على صاحب إبل صحيحة مخافة العدوى.

قالوا: وبين الحديثين تناقض إذ الحديث الأول، ينفي العدوى والثاني يثبتها، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يتكلم بمثل هذا فدار الأم بين كذب أبي هريرة، أو نسيانه في الرواية فإن قلنا بكذبه ارتفعت الثقة بمروياته، وإن قلنا بنسيانه ناقض حديث ضم الرداء وقوله فيه: "فوالذي نفسي بيده ما نسيت منه شيئا بعد".

والجواب: أنه لا تناقض بين الحديثين فحديث: "لا عدوى" معناه نفى أن تكون العدوى مؤثرة بذاتها دون إرادته تعالى، وحديث: "لا يوردن ممرض على مصح"، المقصود منه ألا يورد صاحب الإبل المريضة إبله على إبل صحيحة لئلا تمرض، فيتوهم الناس أن ذلك المرض جاء للإبل الصحيحة من طريق العدوى بدون إذنه تعالى، ولك أن تقول أن المقصود من الحديث الثاني هو إثبات العدوى من طريق السببية العادية، التي يجوز فيها تخلف المسبب عن سببه، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تلك المخالطة، من باب اتقاء أسباب الهلاك العادية، امتثالا لقوله تعالى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} ، وإذا لم يكن بين الحديثين تناقض، فلا كذب ولا نسيان.

نعم ثبت أن أبا هريرة كان يروي الحديثين جميعا في بعض المجالس، وكان يقتصر على رواية أحدهما في بعضها، فاقتصر مرة على رواية الحديث الثاني فقيل له: إنك رويت حديث: "لا عدوى" فرطن بالحبشية وأنكر على من قال ذلك فظن أبو سلمة "الراوي للحديثين عنه"، أن إعراضه عن رواية حديث: "لا عدوى" في ذلك المجلس نسيان منه لروايته، ويجاب عن

<<  <   >  >>