ذلك بأن إعراضه عن روايته هذا الحديث، ليس من قبيل النسيان كما فهم أبو سلمة، وإنما هو من باب مراعاة حال من يحدثهم، ولذلك يقول القرطبي في الفهم:"يحتمل أن يكون أبو هريرة خاف اعتقاد جاهل يظنهما متناقضين، فسكت عن أحدهما، وكان إذا أمن ذلك حدث بهما جميعا". ا. هـ وإن أردت زيادة على ذلك، فارجع إلى فتح الباري في باب لا هامة من كتاب الطب.
د- قالوا: كان أبو هريرة يدلس في الحديث، فيروي عن النبي صلى الله عليه وسلم مالم يسمعه منه، كما في حديث:"من أصبح جنبا فلا صوم له"، وقد تقدم والتدليس أخو الكذب.
والجواب عن ذلك: أن أبا هريرة بحكم تأخر إسلامه إلى سنة سبع من الهجرة، قد فاته كثير من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان عليه ليستكمل علمه بالحديث أن يأخذه عن الصحابة، الذين سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم، شأنه في ذلك شأنه سائر الصحابة، الذين لم يحضروا مجالسه صلى الله عليه وسلم، إما لاشتغالهم ببعض أمور الدنيا، وإما لحداثة أسنانهم، وإما لتأخر إسلامهم، أو لغير ذلك، يؤيد ذلك ما ثبت عن حميد قال: كنا مع أنس بن مالك فقال: "والله ما كل ما نحدثكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعناه منه، ولكن لم يكن يكذب بعضنا بعضا"، رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح.
وعن البراء قال:"ما كل الحديث سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يحدثنا أصحابه عنه، كانت تشغلنا عنه رعية الإبل"، رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح، ورواه الحاكم أيضا في المستدرك بلفظ:
"ليس كلنا سمع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانت لنا ضيعة