للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(لا تحرك به لسانك) لا منافاة بينه وبين ما تقدم من قول ابن عباس - رضي الله عنه -: "كان يحرك شفتيه" كما بسطه القسطلاني تبعًا "للفتح" والكرماني والعيني، والأوجه عند هذا العبد الضعيف أن الثاني بيان لنهي قراءته - صلى الله عليه وسلم - مع جبرئيل - عليه السلام -، والقراءة تكون باللسان، والأول كان بيانًا لرؤية القراءة، والرؤية مما يتعلق بالشفتين كما تقدم.

(جمعه لك في صدرك) وعند الفلاسفة الحافظة في الدماغ، وعند المتكلمين والأصوليين منبع الكل القلب، كذا أفاده شيخ الإسلام المدني في بعض تقاريره، وفي "إزالة الخفاء" (١): أن جمعه في الصدر تفقه من ابن عباس - رضي الله عنهما -.

والوجه عندي: أنه إشارة إلى جمع القرآن في المصاحف، انتهى.

ويؤيده ما أخرجه الطبري (٢) عن قتادة أن معنى {جَمْعَهُ} تأليفه.

({ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ}) وفسَّره غير ابن عباس ببيان ما أشكل من معانيه، وكان - عليه السلام - يسأل جبرئيل عما أشكل عليه في أثناء القراءة فقال ذلك، وفي لفظ {ثُمَّ} دليل للجمهور على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب، وتُعقب بأن المراد تمام القرآن للضمير، وليس كله بمجمل، فالمراد الظهور، ثم تعقب عليه بأن قوله: {بَيَانَهُ} جنس مضاف، فيعم جميع أصنافه من إظهاره وتبيين أحكامه وما يتعلق بها من تخصيص وتقييد ونسخ وغير ذلك، وهذه المسألة خلافية شهيرة بسطها أصحاب الأصول.

وفي "التحرير" وشرحه "التقرير" (٣): أنه يجوز تأخير البيان عن وقت الخطاب إلى الحاجة عند الجمهور، منهم أصحابنا والمالكية وأكثر الشافعية، واختاره الرازي وابن الحاجب، وعن الحنابلة، وعبد الجبار الجبائي وابنه، وبعض الشافعية كأبي إسحاق المروزي، والقاضي أبي حامد منعه، انتهى، كذا في "القسطلاني".


(١) "إزالة الخفاء" (١/ ٥٠).
(٢) انظر: "تفسير الطبري" (٢٠/ ٢٢٥).
(٣) انظر: "التقرير والتحبير" (٣/ ٤٩)، و"عمدة القاري" (١/ ١٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>