للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

واختلفوا في حقيقة الدنيا كما بسطه أهل السلوك، وقالوا: إن الدنيا غفلة عن الله تبارك وتعالى، لا المال والأهل والمتاع.

قال العارف الرومي:

جيست دنيا از خدا غافل بودن … نى قماش ونقره وفرزند وزن

قال النووي (١): ذكر الإمام البخاري الحديث المذكور في سبعة مواضع من "صحيحه"، فذكره هنا، ثم في "الإيمان"، وفي "النكاح"، و"العتق "، و"الهجرة"، و"ترك الحِيَل"، و"النذور"، انتهى.

قلت: ذكر الإمام الحديث في ستة مواضع بكلتا الجملتين، وحذف الأولى في الموضع الأول، وأورد عليه حبيبي المولوي بدر عالم المهاجر المدني المرحوم لَمّا حضرتُ المدينةَ المنورةَ في سنة ثلاث وثمانين، وقال: كان حق المؤلف أن يذكر الحديث في أول موضعه بتمامه ويختصر فيما بعدُ، وقال: لم أظفر على جوابٍ شافٍ لهذا، فوقع في نفسي على سؤاله أن دفع المضرة لمَّا كان أهمَّ من جلب المنفعة، وكان هذا موضع البداية، فلعل المصنف - رحمه الله - أراد أن يُنَبِّهَ الطالبين على التحرز عن فساد النية في أول كتابه.

وقد قال الحافظ (٢): فالجواب ما قاله أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد الحافظ في أجوبة له على "البخاري": إن أحسن ما يجاب به هنا أن يقال: لعل البخاري قصد أن يجعل لكتابه صدرًا يستفتح به على ما ذهب إليه كثير من الناس من استفتاح كتبهم بالخطب المتضمنة لمعاني ما ذهبوا إليه من التأليف، فكأنه ابتدأ كتابه بنية ردّ علمها إلى الله تعالى، فإن علم منه أنه أراد الدنيا أو عَرَّضَ إلى شيء من معانيها فسيجزيه بنيته، ونكب عن أحد وجهَي التقسيم مجانبة للتزكية التي لا يناسب ذكرها في ذلك المقام، انتهى ملخصًا.

وحاصله: أن الجملة المحذوفة تشعر بالقربة المحضة، والجملة المبقاة


(١) "شرح صحيح مسلم" (٧/ ٦٢).
(٢) "فتح الباري" (١/ ١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>