للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وهذا الذي قاله مقاتل حسن؛ ولهذا قال: (ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ) يعني: الاستئذان خير لكم، بمعنى: هو خير للطرفين (١): للمستأذن ولأهل البيت، (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).

وقوله: (فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ)، وذلك لما فيه من التصرف في ملك الغير بغير إذنه، فإن شاء أذن، وإن شاء لم يأذن (وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ) أي: إذا رَدُّوكم من الباب قبل الإذن أو بعده (فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ) أي: رجوعكم (٢) أزكى لكم وأطهر (وَاللهُ بِمَا تَعْملُونَ عَلِيم).

وقال قتادة: قال بعض المهاجرين: لقد طلبتُ عمري كلَّه هذه الآية فما أدركتها: أن أستأذنَ على بعض إخواني، فيقول لي: "ارجع"، فأرجع وأنا مغتبط (٣) [لقوله] (٤)، (وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ).

وقال سعيد بن جبير: (وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا) أي: لا تقفوا على أبواب الناس.

وقوله: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ) هذه الآية الكريمة أخصُّ من التي (٥) قبلها، وذلك أنها تقتضي جواز الدخول إلى البيوت التي ليس فيها أحد، إذا كان له (٦) فيها متاع، بغير إذن، كالبيت المعد للضيف، إذا أذن له فيه أول مرة، كفى.

قال ابن جريج: قال ابن عباس: (لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ)، ثم نسخ واستثني فقال (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ): وكذا روي عن عكرمة، والحسن البصري.

وقال آخرون: هي بيوت التجار، كالخانات (٧) ومنازل الأسفار، وبيوت مكة، وغير ذلك. واختار ذلك ابن جرير، وحكاه، عن جماعة. والأول أظهر، والله أعلم.

وقال مالك عن زيد بن أسلم: هي بيوت الشَّعر.

﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (٣٠)﴾.

هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم عما حرم عليهم، فلا ينظروا إلا إلى ما أباح لهم النظر إليه (٨)، وأن يغضوا (٩) أبصارهم عن المحارم، فإن اتفق أن وقع البصر على مُحرَّم من غير قصد، فليصرف بصره عنه سريعًا، كما رواه مسلم في صحيحه، من حديث يونس بن عُبَيد، عن عمرو بن سعيد، عن أبي زُرْعَة بن عمرو بن جرير، عن جده جرير بن عبد الله البجلي، ، قال: سألت النبي ، عن نظرة الفجأة، فأمرني أن أصرفَ بَصَري.

وكذا رواه الإمام أحمد، عن هُشَيْم، عن يونس بن عبيد، به. ورواه أبو داود والترمذي


(١) في ف، أ: "من الطرفين".
(٢) في أ: "رجعوكم".
(٣) في أ: "متغيط".
(٤) زيادة من ف، أ.
(٥) في أ: "الذي".
(٦) في ف، أ: "لكم".
(٧) في أ: "في الخانات".
(٨) في ف: "إليهم".
(٩) في ف: "يغمصوا".