للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

توقيت المضاربة

إن المؤسسات الاستثمارية في عصرنا تقيد المضاربة بمدة معينة، فهل يجوز تقييد المضاربة بزمن؟ اختلف فيه الفقهاء. وإن توقيت المضاربة له معنيان: الأول: أن تقيد المضاربة بوقت تنتهي بحلوله، والثاني: أن تقيد بوقت بمعنى أنه لا يجوز فسخها لأحد الفريقين قبل ذلك الوقت.

أما التوقيت بالمعنى الأول، فمنعه أكثر الفقهاء، قال النووي رحمه الله:

(ولا يعتبر في القراض بيان المدة. . . فلو وقت فقال: قارضتك سنة، فإذا منعه من التصرف بعدها مطلقًا. أو من البيع فسد، لأنه يخل بالمقصود، وإن قال: على ألا تشتري بعد السنة، ولك البيع، صح على الأصح. لأن المالك يتمكن من منعه من الشراء متى شاء، بخلاف البيع، ولو اقتصر على قوله: قارضتك سنة فسد على الأصح، وعلى الثاني يجوز، ويحمل على المنع من الشراء استدامة للعقد) (١)

وهذا مذهب الشافعية، وكذلك لا يجوز التوقيت عند المالكية، قال ابن شاس رحمه الله:

(ولو ضيق بالتأقيت إلى سنة ـ مثلًا ـ ومنع من التصرف بعدها فهو فاسد، مثل أن يقول: قارضتك سنة) (٢)

أما الحنابلة فعندهم في ذلك روايتان، وقال المرداوي رحمه الله:

(وإن شرطا تأقيت المضاربة، فهل تفسد؟ على روايتين. . . إحداهما لا تفسد، وهو الصحيح من المذهب. . . والرواية الثانية تفسد، جزم به في الوجيز والمنور،. . . . وقال في الرعاية الكبرى: وإن قال: ضاربتك سنة أو شهرًا، بطل الشرط، وعنه: والعقد. قلت: وإن قال: لا تبع بعد سنة؛ بطل العقد، وإن قال: لا تبتع بعدها: صح، كما لو قال: لا تتصرف بعدها) (٣)

وحاصل ما انتهى إليه المرداوي ما ذكره الشافعية من أنه لا يجوز منعه من البيع بعد المدة المضروبة ويجوز منعه من الشراء.

أما الحنفية، فليس عن أئمتهم في ذلك رواية، واختلفت فيه تخريجات الفقهاء، قال الإمام الطحاوي رحمه الله تعالى:

(لم نجد عن أصحابنا توقيت المضاربة، وقياس قولهم في الوكالة أنها لا تختص بالتوقيت، لأنهم قالوا: لو وكَّل رجلًا ببيع عبده اليوم فباعه غدًا جاز، وكانت كالوكالة المنقطعة) .

لكن قال الإمام أبو بكر الجصاص رحمه الله بعد نقل ذلك:

(هذا ليس بشيء، لأنهم يقولون: لو قال: بعه اليوم ولا تبعه غدًا، لم يكن له بيعه غدًا، وكذلك لو قال: على أن يبيعه اليوم دون غد. وقال مالك والليث والشافعي: إذا وقتها فسدت

) (٤)


(١) روضة الطالبين: ٥/ ١٢١ ـ ١٢٢
(٢) عقد الجواهر الثمينة، لابن شاس ٢/ ٧٩٥؛ ومثله في الشرح الصغير للدردير: ٣/ ٧٨٧.
(٣) الإنصاف، للمرداوي: ٥/ ٤٣٠.
(٤) مختصر اختلاف العلماء للطحاوي بتلخيص الجصاص: ٤/ ٤٠؛ وراجع أيضًا: الفتاوى الهندية: ٢/ ٣٠٢؛ وتكملة فتح القدير: ٧/ ٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>