للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن قدامة رحمه الله تعالى:

(وليس له أن يخلط مال المضاربة بماله، فإن فعل ولم يتميز ضمنه، لأنه أمانة فهو كالوديعة، فإن قال له: اعمل برأيك؛ جاز له ذلك، وهو قول مالك والثوري وأصحاب الرأي. وقال الشافعي: ليس له ذلك وعليه الضمان إن فعله، لأن ذلك ليس من التجارة.

ولنا: أنه قد يرى الخلط أصلح له فيدخل في قوله: (اعمل برأيك) وهكذا القول في المشاركة به ليس له فعلها إلا أن يقول: اعمل برأيك، فيملكها) (١) .

وما ذكروه من أن الشافعية لا يجوز عندهم الخلط، فهو فيما إذا لم يأذن بذلك رب المال صراحة، أما إذا أذن صراحة، فهو جائز عندهم أيضًا، كما هو ظاهر من تعليلهم الذي ذكره ابن قدامة رحمه الله، وكما يظهر مما ذكره الرملي رحمه الله في مسألة أخرى:

(ولو خلط ألفين له بألف لغيره ثم قال: قارضتك على أحدهما وشاركتك في الآخر؛ جاز وإن لم يتعين ألف القراض، وينفرد العامل بالتصرف فيه ويشتركان في التصرف في الباقي) (٢)

فظهر بهذا أن المضارب يجوز له أن يخلط مال المضاربة بماله بإذن رب المال، فيكون مضاربًا في حصة رب المال وشريكًا له في حصته.

فما تفعله المؤسسات المالية من إدخال مالها في وعاء المضاربة المشتركة يجوز في الشريعة الإسلامية إذا كان ذلك بإذن من المستثمرين، ويكفي لثبوت إذنهم أن يعلن ذلك في النشرة، ويدخل المستثمرون بعد الاطلاع عليها.

وتكون المؤسسة في هذه الصورة مضاربة في أموال المستثمرين، وشريكة لهم في حصتها من المال، فتستحق بمالها ما يستحقه المستثمرون الآخرون كما تستحق نسبة متفقًا عليها من ربح حصة المستثمرين بصفة كونها مضاربة.


(١) المغني، لابن قدامة: ٥/ ١٦٢.
(٢) نهاية المحتاج، للرملي ٥/ ٢٢٠، دار إحياء التراث العربي، بيروت؛ ومثله في مغني المحتاج للشربيني: ٢/ ٣١٠، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

<<  <  ج: ص:  >  >>