للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحكى أيضا عن أبي الحسن المدائني عن عبد الله بن المبارك قال: كان عمر بن الخطاب يكتب أموال عماله إذا ولاهم ثم يقاسمهم ما زاد على ذلك وربما أخذه منهم، فكتب إلى عمرو بن العاص: أنه قد فشت لك فاشية من متاع ورقيق وآنية وحيوان لم يكن لك حين وليت مصر، فكتب إليه عمرو: أرضنا أرض مزدرع ومتجر فنحن نصيب فضلا عما نحتاج إليه لنفقتنا، فكتب إليه إني قد خبرت من عمال السوء ما كفى، وكتابك إلى كتاب من قد أقلقه الأخذ بالحق.. وقد سؤت بنا ظنا، وقد وحهت إليك محمد بن مسلمة ليقاسمك مالك فاطلعه طلعة، وأخرج إليه ما يطالبك بها وأعفه من الغلظة عليك فإنه برح الخفاء فقاسمه ماله (١) .

ويؤيد هذا عن عمر ما حكاه ابن كثير في البداية والنهاية أنه تكاثرت أموال خالد بن الوليد وتطاولت ثروته وكان واليا على الصائفة وحمص، حتى أنه أجاز الأشعث بن قيس بعشرة ألاف درهم.. فلما كان ذلك وسمع عمر بن الخطاب بعث إليه أبا عبيدة وأمره أن يقيم خالدا ويكشف عمامته وينزع عنه قلنسوته ويعزله عن عمله.. فلما عاد خالد إلى المدينة أخذ عمر من ماله عشرين ألف درهم لبيت المال وأبقى له الباقي (٢) .

ولا شك أن هذه القرينة قوية الدلالة فيما ترمي إليه حتى إن عمر بن الخطاب أعطاها قوة القرينة الشرعية القاطعة التي لا تقبل إثبات ما يناقضها، إذ لم يقبل منهم الدفع بأن هذه الأموال من تجارة أو غير ذلك بل عزل من عزل من الولاة، وصادر الأموال وردها إلى بيت المال.


(١) المصدر السابق نفسه، ص٢٢١؛ وقد أورده أيضا صاحب كنز العمال:٥/٨٥٣، حديث رقم: ١٤٥٥.
(٢) البداية والنهاية لابن كثير:٧/٨٠؛ وانظر كذلك نظام الحكم والإدارة في الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية لعلي علي منصور، ص٢٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>