ومن أهم الدعاوى التي تعمل القرائن على إظهار الحق فيها دعاوى الكسب غير المشروع كما إذا ظهرت الأموال الطائلة للموظف العام بحيث لا تتناسب هذه الأموال مع ما يتقاضاه من مرتب ... فيكون ظهور الثروة الطائلة مع عدم مناسبتها لمرتبه قرائن تدل على أن هذا الموظف قد أستغل سلطة وظيفته وتقاضى كسبا غير مشروع.. إما عن طريق ما يتلقاه من رشاوى، وإما عن طريق اختلاس المال العام فكان للقاضي أن يتحقق عن مصادر هذه الثروة وهذا هو ما عرف بمبدأ من أين لك هذا؟.
وقد سبق الفقه الإسلامي كل المذاهب والنظريات والقوانين في سن مثل هذا القانون لما عرفه من ضعف النفس البشرية أمام المال وفتنته.. فوضع بذلك أسس الرقابة على الأجهزة الحاكمة والمسؤولة حفاظا على المال العام ... فقد ذكرت كتب التاريخ أن الخليفة العبقري عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد تمسك بهذا المبدأ مع ولاته واتخذ من تكاثر أموالهم وزيادتها بصورة لا تتناسب مع ما يعطيه لهم من رواتب دليلا على أنهم أخذوا من مال المسلمين، فحاسبهم على ذلك وأخذ جزءا منها وأودعه بيت المال، بل ولم يقبل منهم الاحتجاج بأن هذه الزيادة ناتجة عن تجارة أو سهام أو غير ذلك.
حكى البلاذري في فتوح البلدان قوله:(حدثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي عن يزيد بن إبراهيم التستري عن ابن سيرين عن أبي هريرة أنه لما قدم من البحرين قال له عمر: يا عدو الله وعدو كتابه أسرقت مال الله، قال لست عدو الله ولا عدو كتابه، ولكني عدو من عاداهما ولم أسرق مال الله.. قال: فمن أين اجتمعت لك عشرة آلاف درهم؟.. قال: خيل تناسلت وعطاء تلاحق وسهام اجتمعت فقبضها منه)(١) .