للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التعزير يثبت باقتناع القاضي بالجريمة:

يتضح مما تقدم أن عقوبة التعزير تثبت زيادة على الأدلة المرعية في الإثبات في الفقه الإسلامي، تثبت كذلك القرائن التي تقنع القاضي بدلالتها على الدعوى، فإذا دلت القرائن وقامت الشواهد على المهتم ووصل إلى اعتقاد القاضي أنه قد اقترف الجريمة، لابد له من تعزيره ولا يقف منتظرا إقرارا أو إتمام البينة، وإلا لأفلت المجرمون والمفسدون من العقاب، ولعمت الفوضى واضطرب الأمن، ولتعذر إثبات كثير من الجرائم يعمد المجرمون إليها في حين غفلة وبعيدا عن نظر الشهود.

فإذا كان الشارع في الفقه الإسلامي قد تشدد في إثبات العقوبة المقدرة في الحدود وتشدد في إثبات العقوبة المقدرة في الدماء فإنه قد أفسح المجال في إثبات عقوبة التعزير ليكمل بذلك ما بقي من عقوبات لجرائم لم ينص عليها أو نص عليها ودرئت العقوبة المقدرة لسبب اقتضى ذلك، فخرج بهذا التشريع الجنائي الإسلامي متزنا ومطردا ... ومتناسقا بالنظر إلى الجريمة والعقوبة وطريقة إثباتها.. نظر إلى جرائم الحدود والدماء وإلى آثارها الخطيرة في المجتمع فعمد إلى بيان عقوباته فشدد فيها ردعا لمقترفيها ثم بين طرق إثباتها حتى لا تكون هناك توسعة في إثباتها.. ثم لما تناقضت هذه الآثار الخطيرة للجريمة ترك أمر تقدير عقوباتها لولاة الأمر حتى يضع العقوبة المناسبة لكل جريمة في كل عصر في كل عصر، ولم يسلك في إثباتها ذلك المسلك الذي سلكه في غيرها حتى لا تضيق مسالك الإثبات فتكثر الجرائم ويتعذر الوصول إلى الجناة.

<<  <  ج: ص:  >  >>