للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمن الواضح أن القرينة قد عملت على النحو المتقدم على إطلاق المعروف بالصلاح، ومنعت من تعويقه وتعطيله بالحبس.. بل إن مثل هذه الدعوى قد تؤدي إلى تعزير ومعاقبة من يقوم بها.. كما عملت القرينة كذلك على ضرب المتهم وحبسه حتى يقر بما ادعي عليه أو يظهر المال الذي أخفاه أو سرقه، وذلك لأن التهمة تناسبه وحاله بين الناس يغلب الظن على أنه فعل ما ادعي عليه يقول ابن الديري الحنفي: (والتهمة إذا قام دليلها عند المبتلى بالحادثة فأوجب ذلك غلبة الظن منه على أنه محل ما اتهم به فلا يستبعد أن يعتبر غالب الظن في ذلك.. يدل على هذا الأصل من السنة المأثورة وقول الفقهاء وإنما أعد السجن لذلك وما شاكله) (١)

هذا خلاصة ما تقوم به القرائن في الكشف على الجناة وإظهار الحق، ولم يعترض على ذلك غير ابن حزم الظاهري حيث لم يجز حبس المتهم ... والفقهاء حينما نصوا على هذه الأحكام – وهي مس المتهم الذي تعددت سوابقه واشتهر بالفساد ونقب الدور والسرقات بشيء من الضرب بقصد التوصل إلى إقراره – كان هدفهم حماية الأمن ومنع الفوضى وإظهار قوة الحاكم وهيبته (٢) حتى لا يعتدي الأشرار على أموال ونفوس الآمنين- بيد أنه يجب النظر والتثبت في ذلك، فلا ينبغي أن يؤخذ كل منهم إذ أنهم حصروه في متعدد السوابق ومشتهر الفساد، كما أنهم استبعدوا من ذلك جرائم الحدود والقصاص، فلا يحق للقاضي أن يتوصل إلى ثبوتها عن طريق ضرب المتهمين وتنكيلهم ثم أن الفقهاء قد أبطلوا إقرار الشخص بما لم يرتكبه دفعا لما يقع عليه من إكراه، كما هو معروف في باب الإكراه في الشريعة.. هذا وقد أبى النعمان بن بشير - رضي الله عنه – صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضرب المتهمين بالسرقة حينما لم تكن أدلة التهمة قوية – وقيد ابن القيم الضرب بظهور أمارات الريبة على المتهم.

ولذا فإننا نقول يجب الاحتياط في موضوع ضرب المتهمين، حتى لا يحدث ما نراه في أقسام البوليس في وقتنا الحاضر من ضرب المتهمين ضربا عنيفا مما يؤدي إلى إقرار الشخص بما لم يجن تخلصا من التعذيب.. وإذا كان الاستقراء قد أظهر أن كثيرا من المتهمين من السراق وغيرهم يقرون تحت التهديد ويعترفون بوقائع الجريمة، إلا أننا نرى أن تكون هناك ضوابط للجوء إلى هذه الوسيلة حتى لا نكون أمام إقرار باطل شرعا.. وأهم هذه الضوابط في نظري:

١- أن يكون المتهم من متعددي السوابق المشتهرين بارتكاب مثل هذه الجريمة التي اتهم فيها.

٢- أن تقوم القرائن وأمارات الاتهام على أنه ارتكب هذه الجريمة.

٣- ألا يكون الضرب ضربا مؤذيا يؤدى إلى الجراح أو الكسر أو الإتلاف.

٤- ألا يلجأ المحقق إلى الضرب إلا بعض محاصرة المتهم بالأدلة التي تدينه، أو بعد استنفاد الوسائل الأخرى التي تؤدي إلى إقراره.

٥- أن يحقق القاضي من إقراره الذي صدر من المتهم إثر التهديد فإن تبين له أنه أقر ليتخلص من الضرب الذي وقع عليه رفضه، وإن كان إقرارا صحيحا مطابقا للقرائن أخذ به.


(١) الحبس في التهمة والامتحان، ص١٦.
(٢) معين الحكام، ص٢١٥؛الحبس في التهمة والامتحان، ص١٦؛ الفتاوى الكبرى:٤/١٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>