للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووجه الدلالة من هذه الأحاديث – كما يستفاد من نصوص الفقهاء – أنه على القاضي ألا يهمل القرائن وشواهد الحال، وأنه لابد من حبس المتهم حتى تنكشف الحقيقة، وأنه إذا ظهرت أمارات الريبة على المتهم يجوز ضربه ليتوصل القاضي إلى الحق (١) .

بيد أن الفقهاء قد قسما الناس في الدعوى إلى ثلاثة أصناف:

الصنف الأول:

أن يكون المتهم في الدعوى معروفا بين الناس بالدين والورع والتقوى، أي أنه ليس ممن يتهم بما وجه إليه في الدعوى ... فهذا لا يقوم القاضي بحبسه أو ضربه ولا يضيق عليه بشيء.. بل قالوا لابد من تعزير من اتهمه صيانة لأعراض البرآء والصلحاء من تسلط أهل الشر والعدوان، وهذا القول مروي عن أبي حنيفة (٢) .

الصنف الثاني:

أن يكون المتهم مجهول الحال بين الناس، فهذا يقوم القاضي بحبسه حتى يكشف أمره، ومدة الحبس مختلف فيها بينهم، قيل ثلاثة أيام، وقيل شهرا، وقيل: يترك ذلك لاجتهاد ولي الأمر، وأجاز بعض الفقهاء ضرب مجهول الحال وامتحانه بغرض إقراره وإظهار الحق (٣) .

الصنف الثالث:

أن يكون المتهم معروفا بالفجور والتعدي كأن يكون معروفا بالسرقة قبل ذلك أو تكررت منه المفاسد، أو عرف بأسباب السرقة مثل أن يكون معروفا بالقمار، والفواحش التي لا تتأتى إلا بالمال وليس له مال، فهذه قرائن تدل على مناسبة التهمة له.. فهذا يضربه الوالي أو القاضي بغية التوصل إلى إقراره أو إظهار المال منه.

هذا الحبس أو الضرب الذي هو من باب الوصول إلى الحق يسميه البعض سياسة، ويسميه الآخرون تعزيرا، وذلك لاختلافهم هل هو من عمل الوالي أو من عمل القاضي؟ (٤)


(١) زاد المعاد: ٣/٢١٣؛ معين الحكام، ص٢١٧.
(٢) معين الحكام، ص٣١٧؛ عدة أرباب الفتوى، ص٨٢؛ الطرق الحكمية، ص١١٨.
(٣) الحبس في التهمة والامتحان على طلب الإقرار وإظهار المال لابن الديري، ص١٦.
(٤) الفتاوى الكبرى لابن تيمية:٤/١٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>