ولا شك أن ذكر ابن الغرس وابن عابدين لهذه القرائن فلحاجة المذهب إلى مثل هذا النص، إذ أن مذهب الحنفية بتقييده ليمين القسامة وجعلها على المدعى عليهم وقصرهم علي أهل المحلة التي وجد بها القتيل تمشيا مع قاعدة اليمين على المنكر، يكون قد ضيق مجال العمل بالقسامة، وتبع ذلك ظهور حالات كثيرة لا يمكن فيها توجيه اليمين إلى أهل المحلة منها تلك الحالة التي ذكرها ابن الغرس فقد دلت القرينة على مرتكب الجريمة، فلا يكون هناك ثمة ما يدعو إلى تحليف أهل المحلة لظهور التهمة في غيرهم، ثم إن المذهب لا يترتب على هذا المتهم شيئا، وقد رأينا قول محمد والخير الرملي أنهما لا يضمناه شيئا للشك والاحتمال.
ومذهب الحنفية بمنطقه هذا وأقيسته هذه وإن كان قريبا من المعاني الاجتماعية من حيث إنه جعل المسؤولية على أهل المنطقة أو الدائرة التي وجد فيها القتيل لتقصيرهم في المحافظة على الدماء في دائرتهم، إلا أنه قد يعجز عن الوفاء بما تتطلبه حماية الدماء وصيانتها من محاولة التعرف على الجاني وحصر التهمة بقدر الإمكان.