تعرض الفقهاء للقرينة كدليل يوجب القسامة كما تقدم، أما كونها دليلا منفصلا يترتب عليه حكم في دعوى الدم بغير أن تعضد بأيمان القسامة فلا نكاد نجد له أثرا واضحا في كتبهم، ولعل السبب في ذلك أن الشرع قد نص على القسامة حين تدل القرائن على القاتل، كما جاء في أحاديث القسامة المتقدمة، ومن ثم يكون الاعتداد بالقرينة وحدها أمرا زائدا لا مبرر له.
ومع هذا فهناك من الفقهاء من يميل إلى إثبات جريمة القتل بالقرائن، فالقرينة قد تكون قوية الدلالة واضحة في إثبات الجريمة، وقد لا يؤول الأمر للقسامة فينبغي تحكيم القرائن حينئذ.
وممن يقول بهذا القول الفقيه الحنفي ابن الغرس فقد نقلوا عنه قوله:(إن من جملة طرق القضاء القرائن الدالة على ما يطلب الحكم به دلالة واضحة بحيث تصيره في حيز المقطوع به، فقد قالوا: لو ظهر إنسان من دار ومعه سكين في يده وهو متلوث بالدماء سريع الحركة، عليه أثر الخوف، فدخلوا الدار في الوقت على الفور، فوجدوا بها إنسانا مذبوحا بذلك الحين وهو ملطخ بدمائه ولم يكن في الدار غير ذلك الرجل الذي وجد بتلك الصفة وهو خارج من الدار يؤخذ به، وهو ظاهر إذ لا يمتري أحد في أنه قاتله, والقول بأنه ذبح نفسه أو أن غير ذلك الرجل قتله ثم تسور الحائط فذهب احتمال بعيد لا يلتفت إليه إذ لم ينشأ عن دليل)(١) .