للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رأي الحنفية:

أما فقهاء الحنفية فإنهم مع أخذهم بالقسامة لا يقولون بفكرة اللوث كما أنهم يجعلون اليمين على المدعي عليه، فلا يمين على المدعين إذ أن اليمين شرعت في جانب المنكر لقوله صلى الله عليه وسلم: ((البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه)) (١) .

كما أن اليمين ليست صالحة للاستحقاق فكيف يستحق بها الدم؟ ومن ثم فإنهم لا يوجبون في القسامة القود، وإنما الدية.

وفقهاء الحنفية وإن كانوا لا يأخذون بفكرة اللوث إلا أنهم أخذوا بالقرينة فإنهم يقولون إنه إذا وجد القتيل في محلة قوم أو دارهم أو أرضهم، فهذا دليل على أن القاتل منهم، فالإنسان لا يأتي من محلة إلى محلة ليقتل طائعا مختارا فيها، وإنما تمكن القاتل منهم من هذا القتل بقوتهم ونصرتهم. ولذلك يحلفون يمين القسامة على أنهم ما قتلوا ولا عرفوا له قاتلا، ثم يدفعون ديته صيانة لدمه من الهدر لوجود القتيل بين أظهرهم ولتقصيرهم في النصرة الواجبة عليهم.

وعليه فتكون القرينة الوحيدة التي يشترطها فقهاء الحنفية هي وجود جثة القتيل في محلة فتقوم دليلا على أن القاتل منهم، يجب عليهم بذلك حلف أيمان القسامة. أما إذا وجد في محل عام كالمساجد والجسور والأنهار العامة فلا قسامة إنما تجب ديته في بيت المال (٢) .

هذه هي آراء القائلين بالقسامة، وقد رأينا الدور الهام الذي تقوم به القرائن في إثبات القسامة سواء كانت على المدعين أو على المدعى عليهم، ذلك أن القسامة إنما شرعت لعدم وجود البينة الكاملة المباشرة على الفعل، فاحتاج إلى دلائل أخرى تغلب الظن وتفيد الحكم فكانت القرائن القوية هي التي تفيد هذا العلم.

غير أن هذه القرائن التي تعرضنا لها لا يترتب عليها وحدها الحكم، إنما الحكم يترتب على القسامة التي يحلفها من وجبت عليه بناء على دلالة هذه القرائن، أما القرائن وحدها فهل يجوز الحكم بمجردها في الدماء إذا كانت قوية الدلالة؟ هذا هو ما سنعرضه الآن.


(١) رواه مسلم، الصحيح مع شرح النووي: (٢/١٢) .
(٢) المبسوط: (٢٦/١٠٧) ؛ تحفة الفقهاء للسمرقندي: (٣/٢٠٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>