للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأصل في القسامة ما ثبت في الأحاديث الصحيحة أن نفرا من الأنصار انطلقوا إلى خيبر وتفرقوا فيها ووجدوا أحدهم قتيلا، فقالوا لليهود: قتلتم صاحبنا فأنكروا فانطلقوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهم: تأتون بالبينة، فقالوا يا رسول الله: ما لنا بينة، قال: فيحلفون، قالوا: لا نرضى بأيمان اليهود، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبطل دمه فوداه مائة من إبل الصدقة (١) .

وفي روايات أخرى: تحلفون خمسين يمينا وتستحقون دم صاحبكم، ويقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته (٢) .

ووجه الدلالة في هذه الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم شرع أيمان القسامة، فأجاز لأولياء القتيل الحلف لإثبات القتل. ويتضح فيها أيضا اعتماد المدعين على قرينة العداوة بين اليهود والأنصار مما دعاهم إلى توجيه تهمة القتل إليهم لاسيما وقد وجد القتيل بينهم، وأجاز النبي صلى الله عليه وسلم الحلف على ذلك.

خالف في الأخذ بالقسامة بعض الفقهاء منهم قتادة وأبو قلابة والبخاري بحجة أن القسامة تخالف أصول التشريع الإسلامي، إذ الأصل ألا يحلف أحد إلا على ما علم قطعا أو شاهد حسًا، وأن النبي صلى الله عليه وسلم تلطف بأولياء القتيل ليشعرهم أنه لا يلزم الحكم بها في الإسلام لأنها من أحكام الجاهلية (٣) .

وأجيب على هذا القول بأن القسامة أصل قائم بنفسه قررته السنة النبوية الشريفة كسائر السنن المقررة للأصول، وأنه لا يجوز للأولياء أن يقسموا على القاتل إذا غلب على ظنهم أنه قتله وللإنسان أن يحلف على غالب ظنه، والنبي صلى الله عليه وسلم جعل لهم استحقاق دم القاتل كما يظهر في الأحاديث (٤) .


(١) صحيح البخاري: (باب القسامة) : (٤/١٥٦) .
(٢) صحيح مسلم مع شرح النووي: (١١/٤٨) ؛ سنن أبي داود: (٤/٢٩٩) ؛ سنن الترمذي: (٦/١٩٢) قال الترمذي حديث صحيح والعمل على هذا عند أهل العلم.
(٣) صحيح مسلم وشرح النووي: (١١/١٥٢) ؛ السنن الكبرى (١٢٢/٨) .
(٤) بداية المجتهد: (٢/٤٢٨) ؛ المبسوط: (٢٦/١٠٩) ؛ شرح النووي على صحيح مسلم: (١١/١٤٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>