وعلى كل حال فإن القول بوجوب إثبات الحد بالقرائن الظاهرة يمكن أن يؤسس على قواعد وأدلة أحسبها قوية وعملية- وهى:
الأولى: أن مقصود المشرع الحكيم من هذه الحدود هو حماية المجتمع وبقاء صلاحه بحفظ أعراض الخلق وأبشارهم وأموالهم ونسلهم وعقولهم ولا يتم ذلك إلا بإقامة هذه الحدود وتنفيذ عقوبتها.
الثانية: إن تمكين الشبهة الدارئة إلى هذا الحد عند الفقهاء يؤدي إلى عدم تطبيق هذه الحدود أصلا، فكل حبلى بلا زوج قد تدعي الإكراه، وأي دعوى غير الإكراه تستطيع أن تدفع بها شناعة فعلها وعارها، كما أن كل سارق قد يدعي ملكية المسروق، أو عدم الإحراز، وسارق المال العام قد يتعلل بشبهة الملك وماله فيه من حق، وكل قاذف يستطيع أن يصل إلى غرضه بالكناية والتعريض، فتهتك بذلك أعراض الناس وأستارهم، وينفرط عقد المجتمع ويختل نظامه، فقولنا في كل ذلك، وأكثر منه شبهة أنه تمنع ثبوت الحد فكأننا نقر بهذا القول، أن هذه الحدود مجرد نظريات غير قابلة للتطبيق.
ثم هل نرد أصلا مقطوعا به وهو مقصد الشارع في حفظ الضروريات وبقاء صلاح المجتمع بقاعدة معترض على ثبوتها، كما قدمناه عن ابن حزم الظاهري وشروح الدارقطني.