ولا يؤخذ على هذا القول- أي القول بالأخذ بالقرائن الظاهرة التي نص عليها- خروجه عن الدليل القوي وانسياقه وراء دليل أقل قوة منه، فقد ذكرت أن هذا موضوع اجتهادي، وموضوع الاجتهاد من شأنه أن تختلف فيه الآراء، ثم إنه سبق لعلمائنا بمصر والسودان أن خرجوا عن الرأي القوي إلى رأي أضعف منه بما رأوا أنه يحقق المصلحة، فقد أجازوا الوصية للوارث وخرجوا عن رأي الجمهور والأحاديث الصحيحة التي تمنع ذلك، وذهبوا إلى رأي ضعيف عزوه إلى بعض المفسرين وهو رأي أبي مسلم الأصفهاني، والأمر في قضيتنا أقوى بكثير مما ذكر، فإنهم إن خرجوا عن الرأي القوي فإنما يأخذون بقول عمر وعثمان رضي الله عنهما ومالك وأصحابه وابن تيمية وابن القيم وأحد أقوال الإمام أحمد، وقول ابن الغرس من فقهاء الحنفية، كما أنه لا يخرج عن قصد الشارع الحكيم بعدم التوسع في إثبات الحدود إذ أنه لا يجيز العمل بمطلق القرائن إنما قرائن معينة ينص عليها تظهر فيها قوة الدلالة على ارتكاب موجب الحد، ولم يستطع المتهم أن يذكر شبهة تدرأ عنه الحد.