للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي مجتمعاتنا الحديثة حيث شاعت الفاحشة وانتهكت الأعراض وسفكت الدماء ونهبت الأموال لا راد يرد المجرمين ولا رادع يردعهم وصارت القوانين بسهولتها وسيلة لحماية الإجرام لا للحد منه، ولا يخفى أن شدة العقوبة في الفقه الإسلامي كانت ولا تزال في البلاد التي تطبق جانبا من هذه العقوبات، لها أثرها الفعال في الحد من الجريمة والتقليل من خطر المجرمين لما تبعثه في النفوس من رهبة وخوف.

فإذا كان الأمر كذلك ورأى علماء المسلمين المختصون ضرورة تطبيق الحدود إذا ثبتت بالقرائن كقرينة الحمل في الزنا، مراعين في ذلك مصلحة المجتمع حيث أصبح من المستحيل إثبات مثل هذه الجرائم بشهادة الشهود، كما انعدم الضمير والوازع الديني الذي يجعل من الشخص مقرا بذنب ارتكبه، فأدى ذلك إلى فقد الخوف من العقوبة وزالت هيبتها، كما ارتفعت نسبة البغايا وكثر عدد الأولاد غير الشرعيين، وأصبح للسرقات شبكات وعصابات تستطيع مراوغة أقوى أجهزة لحفظ الأمن، وضرب الفساد أطنابه في جميع المرافق، مما أدى إلى اضطراب المجتمع وانقلاب نظامه.

أقول: إذا رأى علماء المسلمين ذلك فلا مانع عندي طالما قائدهم ما يحقق مصلحة المجتمع، ولكن بشرط ضبط القرينة في هذا المجال وضبط الشبهات التي ترد عليها بحيث لا يخرج من الإطار العام لمقاصد الشرع الشريف.

خصوصا وأن المتتبع لآراء المجيزين للعمل بالقرينة يرى أنهم لم يطلقوا العنان للقاضي في تكوين رأيه في الدعوى من أي دليل يعرض عليه، إنما نصوا على قرائن معينة ظاهرة الدلالة على أن المتهم قد ارتكب موجب الحد ما لم يستطع ذلك المتهم أن يورد شبهة تلقي ظلالا من الشك في أنه قد اقترف الجرم، فإذا استطاع ذلك درىء عنه الحد للشبهة.

<<  <  ج: ص:  >  >>