ثم أن القرينة لو كانت طريقا لإثبات الحدود فليس هناك أقوى من شهادة ثلاثة من الرجال برؤية الزنا رؤية كاملة للفعل ثم يشهد الرابع بأنه لم ير الفعل إنما رأى ما يدل عليه من أرجل مرفوعة وغير ذلك، ومع هذا لم يحد عمر بن الخطاب رضي الله عنه من اتهم به بل حد الشهود حد القذف (١) ، فهذه قرينة ظاهرة لم يأخذ بها عمر، اللهم إلا أن يقال: إن طريق الشهادة في الإثبات غير طريق القرينة، فمن اتخذ طريق الشهادة، فيجب عليه أن يكمله كما ورد في الشرع، ومن اتخذ القرينة، فالإثبات بها للإقناع بدلالتها وظهورها على الحد، بغض النظر عن أن شهادة الثلاثة أكثر دلالة منها، كما ورد عن عمر القول بالرجم بالحبل.
على أننا حين نقول بقوة أدلة المانعين للعمل بالقرينة في الحدود وظهورها فيما ذهبوا إليه وهو ما يراه الشارع مراعاة لمصلحة المجتمع بعدم التوسع في إثباتها- لا نغلق الباب على مصراعيه بهذا القول أمام الرأي الآخر ونمنع إعمال القرائن مطلقا، فهذا الترجيح جاء من جهة قوة الدليل وظهور دلالته، ولا شك أن هذا أمر اجتهادي تضاربت فيه الآراء واختلفت، وقد تقدم قول الشوكاني بأن هذا أمر اجتهادي، فكل قال بما يرى صلاحه للمجتمع مستلهما في ذلك روح التشريع وقصد الشارع.