للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هل تأجيل البدلين فيه غرر أو يتعاظم فيه الغرر؟

إن البيع، إذا تم فيه التقابض في المجلس، فلا غرر فيه على الإطلاق، وهو من أبعد البيوع عن الغرر وشبهته، قال الإمام الشافعي: (الأعجل أخرج من معنى الغرر) (١) . وإذا تم فيه قبض أحد البدلين فقد حضره الغرر، وليس كل غرر حرامًا، لأن أحدهما ولنفرض أن المشتري، يقبض المبيع، ويؤجل سداد الثمن، إلى أجل معين، أو إلى آجال متعددة، على نجوم (أقساط) . وقد يحدث تغير في ثمن بيع السلعة خلال مدة الدين. فإن زاد الثمن تضايق البائع، وإن نقص تضايق المشتري وهكذا يحدث في بيع السلم أيضًا.

أما لو تعاقدا على تقابض مؤجل، فكذلك قد يقع تغير في الأسعار، فيكون له نفس الأثر على كل منهما.

لكن الفارق بين البيع الذي يتأجل فيه بدل واحد، والبيع الذي يتأجل فيه البدلان، أن أحد الطرفين في البيع الأول يكون قد متع بالبدل المعجل، فالبائع يتمتع بالثمن في بيع السلم، والمشتري يتمتع بالمبيع في بيع النسيئة. وهذا التعجيل له أثره على ثمن التعاقد. لكن الغرر، على كل حال، لا يختلف بين البيع الأول والبيع الثاني، ويستوي الطرفان معًا في تحمل المخاطرة. فإن بقيت الأسعار ثابتة، فلا مشكلة في الواقع، وإن هبط تأثر المشتري، وإن ارتفعت تأثر البائع، لأنه باع بثمن رخيص.

وعلى هذا فلا فرق، في الغرر، بين بدل واحد يتأجل، أو بدلين يتأجلان، ولا سيما إذا كان للتعجيل والتأجيل أثر في تحديد ثمن البيع.

فأين الغرر المتعاظم الذي ادعاه بعض الفقهاء إذا تأجل البدلان (٢) ؟ لعلهم نظروا إلى بدل وبدلين، مع أن النظر يجب أن يكون للمتعاقدين لا للبدلين، والمتعاقدان هما أنفسهما لم يتغيرا في كلا البيعين.


(١) الأم: ٣ / ٨٣.
(٢) بيع الكالئ بالكالئ لنزيه حماد، ص ١٨ – ١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>