للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تأجيل البدلين وشغل الذمتين:

ذهب ابن تيمية إلى أن تأجيل البدلين قد منع: " لئلا تتبقى ذمة كل منهما مشغولة بغير فائدة حصلت، لا له ولا للآخر " (١) .

قال عبد السميع إمام: " للباحث أن يناقش هذا الاستدلال بأن دعوى عدم الفائدة، من مثل هذا التعامل، قد لا تسلم، فإن التجار والصناع كثيرًا ما يتنافسون في تصريف بضائعهم، أو الحصول عليها، فلو أراد صانع أن يضمن تصريف بضاعته، فإنه يتفق مع أحد التجار على أن يبيع له كمية معلومة، مما ينتجه مصنعه، على أن يسلمها إليه بعد مدة، ويتسلم الثمن منه عند تسليم البضاعة إليه. وقد يكون التاجر نفسه في حاجة إلى بضاعة خاصة، ينتجها مصنع معلوم، وليس لديه المال الذي يدفعه ثمنًا لها، وهو يخشى، إن انتظر حتى يحصل على الثمن، أن يسبقه غيره على شراء منتجات المصنع، فيحتكرها على الناس، ويغلي أسعارها عليهم. فلهذا نرى التاجر المحتاج إلى البضاعة، يسرع بالذهب إلى صاحب المصنع، فيشتري ما يريد من البضائع، على أن يتسلمها منه بعد أجل، ويدفع الثمن إليه عند تسلمها. فهذا التعاقد بين الصانع والتاجر، وكثير ما هم، قد حصل فيه الاتفاق منهما على تأجيل المبيع والثمن، مع استفادتهما جميعًا منه، إذ ضمن الصانع تصريف بضاعته، وضمن التاجر الحصول عليه بثمن مهاود، لم يرهق بأدائه حين التعاقد (....) . والوقائع أعظم شاهد على شيوع هذا التعامل واتساع نطاقه، ووفور الحاجة إليه، وتحقق الفائدة به ( ... ) . فالذي نراه في هذا أن شغل الذمتين من الطرفين لا بأس به، وقد عهد في الشريعة جوازه، في الإجارة والكراء والجعالة والمزارعة وغيرها، إذ يجوز أن يستأجر الإنسان غيره، على عمل خاص، أو يكتري دابة، ثم يحاسب على الأجرة، في نهاية العمل. فقد اشتغلت ذمة المتعاقدين: أحدهما بالعمل الذي التزم القيام بأدائه، والآخر بالمبلغ الذي يدفعه في نظيره. وهكذا في الجعالة والمزارعة، وإذا فتأجيل البدلين معًا، في عقد البيع، لا يتنافى مع أصول الشريعة الإسلامية " (٢) .


(١) نظرية العقد لابن تيمية، ص ٢٣٥؛ وانظر له أيضًا: تفسير آيات أشكلت: ٢ / ٦٣٨، ٦٣٩، ٦٦٥، ٦٦٦؛ وانظر أيضًا إعلام الموقعين لابن القيم: ١ / ٤٠٠.
(٢) نظرات في أصول البيوع الممنوعة، ص ١١٤ – ١١٥؛ وانظر المداينات لعيسوي، ص ١٤٧؛ والضرير في الغرر، ص ٣١٦، بعبارات قريبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>