للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي المذهب المالكي رأي مرجوح أنه ضامن، قال القرافي: "وقيل ضامن" (١) ، ونحن هنا لا ندخل في تفاصيل هذا المبحث، ولكنه بلا شك يعتبر هذه المسألة من أهم القضايا التي تفكر فيها المصارف الإسلامية وتسعى جاهدة لإيجاد ضمانات كافية من خلال الشروط، والتأمين ونحو ذلك.

والخلاصة أن تبعة الهلاك تقع من حيث المبدأ على المؤجر (البنك) ما دام العقد قد صيغ صياغة عقد الإجارة، حتى القانون المدني يحمله تبعة الهلاك على الرغم من أنه يكيفه على أساس البيع بالتقسيط –كما سبق- وأما الأجير بشقيه (الخاص والمشترك) فقد سبق أن الأجير العام أو المشترك ضامن على الراجح، أما الأجير الخاص فغير ضامن.

هل يمكن أن يتحملها المستأجر؟

لتحمل المستأجر تبعة الهلاك في الإجارة بصورة عامة وفي الإجارة المنتهية بالتمليك بصورة خاصة طريقتان:

الطريقة الأولى: أن يتحملها طوعاً دون أن يذكر ذلك في العقد، وذلك بأن يتعهد تعهداً مستقلاً عن عقد الإجارة –مكتوباً أو شفهياً- بأنه يتحمل تبعة الهلاك فيما لو هلكت العين المستأجرة، أو تلفت تلفاً كلياً أو جزئياً، وهذا يدخل في الوعد من طرف واحد اعتبره جماعة من الفقهاء منهم المالكية في قول لهم، وابن شبرمة وغيرهم كما سبق.

الطريقة الثانية: أن يكتب ذلك في العقد كشرط من الشروط المقترنة بالعقد، وهذا غير جائز عند جمهور الفقهاء، لأنه شرط يخالف مقتضى العقد، غير أنه يفهم من كلام ابن رشد في المقدمات والممهدات ومن كلام القرافي في الذخيرة أنه على قول أشهب يجوز اشتراط ما يخالف مقتضى العقد، فمثلاً يد الأجير المشترك على سلعة يؤثر فيها يد ضمان في بيته أو حانوته، ومع ذلك لو اشترط عدم الضمان ففيه ثلاثة أقوال.. قال أشهب: ينفع، لأن الأصل اعتبار العقود –أي الشروط-، ولأنه كان قادراً على عدم التزامه، وإنما رضي المسمى أي من الأجر لسقوط الضمان عليه، وكذلك ينفع شرط عدم الضمان في المستعير والمرتهن، لأن هذا الشرط زيادة معروف، ولكن القول المشهور هو أن هذا الشرط لا ينفعه "لأنه خلاف مقتضى العقد" (٢) .

بل أكثر من ذلك، فقد رأيت أن الإمام أحمد يرى في أحد قوليه جواز اشتراط الضمان على المستأجر، جاء في المغني: "فإن شرط المؤجر على المستأجر ضمان العين فالشرط فاسد، لأنه ينافي مقتضى العقد، وعن أحمد أنه سئل عن ذلك فقال: المسلمون على شروطهم، وهذا يدل على نفي الضمان بشرطه ووجوبه بشرطه، لقوله صلى الله عليه وسلم: ((المسلمون على شروطهم)) (٣) وهذا القول للإمام أحمد في غاية من الأهمية، إذ أنه يحقق الأمن والأمان للبنوك الإسلامية حيث لا تخاف من ضياع رأسمالها على أقل تقدير، وهذا رأي وجيه مستند على حديث صحيح ممكن الاعتماد عليه في الظروف الحالية التي نعيشها من حيث انعدام الثقة ونحوها.

ومن جانب آخر يمكن التخفيف من آثار ذلك على البنوك الإسلامية وغيرها، من خلال اشتراط أن يكون عبء الإثبات لحالات عدم الضمان على المستأجر، وتوضيح ذلك هو أنه غير ضامن إلا في حالات التعدي والتقصير ومخالفة الشروط والعرف –كما سبق- وأن عبء الإثبات لهذه الحالات يقع على المؤجر عند جمهور الفقهاء، وبعبارة أخرى أن الأصل هو عدم الضمان، وإذا ادعى المؤجر الضمان بسبب التعدي أو التقصير فإن عبء الإثبات يقع عليه وهو ليس بأمر هين ولا سيما أنه غائب عن العين المستأجرة، وبالأخص في تأجير السيارات والطائرات والبواخر، فلو اشترط المؤجر على المستأجر بأنه في حالة التلف أو الهلاك الكلي، أو الجزئي فإن عبء الإثبات يقع عليه وبعبارة أخرى إذا لم يثبت أنه غير متعد، وغير مقصر، وغير مخالف للشروط والعرف فإنه يجب عليه الضمان.


(١) الذخيرة: ٥/٥٠٢؛ والتعبير بقيل يدل على الضعف الشديد.
(٢) يقرأ بدقة: الذخيرة: ٥/٥٠٥؛ والمقدمات والممهدات: ٣/١٥١-٢٥٢.
(٣) المغني لابن قدامة: ٨/١١٤-١١٥، والحديث رواه البخاري في صحيحه تعليقاً بصيغة الجزم –مع فتح الباري-: ٤/٤٥١، ورواه غيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>