للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذا الشرط إن صح يحقق العدالة للطرفين، ويتوافق مع عصرنا الحاضر، وطبيعته القائمة على فساد معظم الذمم وعدم تقوى الله تعالى إلا ما رحم ربي، وهو موافق لمذهب بعض الصحابة الكرام الذين قالوا بضمان الأجير المشترك وقالوا: "لا يصلح الناس إلا ذلك" (١) ، وقد روى البيهقي عن الشافعي أنه قال:

قد ذهب إلى تضمين القصار شريح، فضمن قصاراً احترق بيته، فقال: "تضمنني وقد احترق بيتي"؟ فقال شريح: "أرأيت لو احترق بيته كنت تترك له أجرك؟ " وروى أيضاً بسنده عن أبي هيثم أنه قدم دهن له من البصرة وأنه استأجر حمالاً يحمله، والقارورة ثمنها ثلاثمائة، أو أربعمائة، فوقعت القارورة وانكسرت فأردت أن يصالحني فأبى فخاصمته إلى شريح، فقال له شريح: "إنما أعطى الأجر لتضمن فضمنه شريح، ثم لم يزل الناس حتى صالحته" (٢) .

والمقصود أن الفقهاء كيف غيروا فتاواهم السابقة من عدم الضمان إلى الضمان لسوء أخلاق البعض، وللحفاظ على الأموال وعدم الاستهانة بها.

ومن جانب آخر فإن هناك شبهاً بين المستأجر وبين الأجير المشترك بجامع الإجارة، فلو قلنا بأن عبء الإثبات يقع عليه لما أخطأنا الهدف وهو أقل بكثير من القول بالضمان الواقع على الأجير المشترك، حتى ولو لم يكن له دخل وأثر في التلف والهلاك.

وأيضاً فإن قياس المستأجر على المضارب والشريك قياس مع الفارق حيث إن المستأجر لا يخسر شيئاً بتلف العين المؤجرة إذا انفسخ العقد، بل قد يستفيد فيما لو كانت الأجرة مرتفعة في وقت التلف لأي سبب من الأسباب، وحينئذٍ إذا انفسخ العقد بتلف العين المؤجرة فإنه يستفيد من خلال تأجير عين أخرى من نفس الجنس وبأقل من الأجرة التي كان يدفعها.

أما المضارب، أو الشريك فإنه في حالة الخسارة فقد خسر الجهد، كما خسر رب المال ماله، فهناك نوع من التعادل، كما أن الربح يعود على الطرفين، أما المستأجر فلا يخسر شيئاً بل قد يستفيد من هذا التلف –كما سبق-.


(١) السنن الكبرى للبيهقي: ٥/١٢٢.
(٢) السنن الكبرى للبيهقي: ٥/١٢٢-١٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>