للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذهب المالكية، والشافعية في وجه (١) ، إلى أن جميع الأجرة لا تجب عليه، لأنه لم يستوف جميع ما استحقه من المنفعة المقصودة بمقدار العيب، فلو أن العيب قد أثر في الانتفاع بالعين المؤجرة بنسبة (١٠ %) مثلاً فإن هذه النسبة تحسم من الأجرة.

والذي يظهر رجحانه هو رأي الجمهور، إذ أن الرأي الثاني قد يؤدي إلى الإجحاف بحق المؤجر، إذ أنه قد يجد مستأجراً لبيته مثلاً يدفع له مثل الأجرة السابقة، كما أن إعطاء حق الخيار للمستأجر يفسح له المجال للنظر فيما هو يحقق مصلحته، ويدرأ عنه المفسدة والمضرة، فهو إما أن يرد العين المؤجرة، أو يقبلها كما تم الاتفاق عليه، أما أن يرضى بالعين المؤجرة ويطالب بتقليل الأجرة فهذا فيه شيء من الإجحاف بحق المؤجر، كما أن الأجرة عقد رضائي لا يمكن لأحد العاقدين أن يفرض شيئاً على الآخر إلا برضاه، ورضا المؤجر تم على الأجرة كلها وليست على بعضها، والعيب أثبت له حق الفسخ فقط وليس حقاً آخر كما هو الميزان في البيع ونحوه.

ثم إن هذه الأحكام خاصة بما إذا كان عقد الإجارة واقعاً على شيء معين، أما إذا كان وارداً على العين الموصوفة في الذمة فإن عقد الإجارة لا ينفسخ بالعيب مطلقاً، بل يجب على المؤجر أن يأتي بما تم الاتفاق عليه سليماً، وبعبارة أخرى يغيرها إلى الشيء المتكامل فيه الأوصاف المتفق عليها (٢) ، قال ابن قدامة: "هذا إذا كان العقد يتعلق بعينها، فأما إن كانت موصوفة في الذمة لم ينفسخ العقد، وعلى المكري إبدالها لأن العقد لم يتعلق بعينها فأشبه المسلم فيه إذا سلمه على غير صفته، فإن عجز عن إبدالها أو امتنع عنه ولم يمكن إجباره عليه فللمكتري الفسخ أيضاً" (٣) .

على من تقع تبعة الهلاك؟ وهل يمكن أن يتحملها المستأجر؟

اتفق الفقهاء –من حيث المبدأ- على أن المستأجر يده يد أمانة لا يضمن إلا بالتعدي والإتلاف، والتقصير والإهمال، ومخالفة الشروط المتفق عليها في العقد، ومخالفة العرف السائد في إجارة كل شيء، بحيث يكون استعماله استعمال الرجل الحريص على أموال الآخرين فلا يزيد على ما يتحمله الشيء فوق طاقته وإلا أصبح ضامناً (٤) .


(١) الذخيرة: ٥/٥٣٢؛ والكافي، ص٣٦٩؛ والروضة: ٥/٢٣٩.
(٢) المبسوط للسرخسي: ١٥/١٣٦؛ والتاج والإكليل: ٧/٥٦٦؛ والذخيرة: ٥/٤٧٦؛ والمغني لابن قدامة: ٥/٤٥٧.
(٣) المغني: ٥/٤٥٧-٤٥٨.
(٤) يراجع بحثنا حول مدى مسؤولية مجلس الإدارة عن الخسائر، المقدم إلى الدورة ١٤ للمجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي.

<<  <  ج: ص:  >  >>