للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القسم الثاني- التكييف الفقهي:

بعد الرد على تلكم الشبهات، والملاحظات التي أثيرت حول الإجارة المنتهية بالتمليك نستطيع القول بأنها عقد صحيح من حيث المبدأ، ولكن حكمها يختلف حسب صورها، وقد رأينا أنه في القانون الوضعي يختلف تكييفه عن الفقه الإسلامي لا من حيث الصحة، وإنما من حيث تكييفه بأنه عقد بيع نظراً إلى المآل والقصد، إلا في صورة واحدة كما ذكرنا فيما سبق.

وأعتقد إن إجابتنا عن الأسئلة والملاحظات والشبهات الثماني قد ساهمت في إعطاء صورة لهذا النوع من الإيجار، لكن تكييفه الكامل يتحقق من خلال النظر والتحليل لكل صورة بحد ذاتها، ولا يسع المجال لذكرها مفصلة ونكتفي بما ذكرناه عند حديثنا عن صور الإجارة المنتهية بالتمليك، ولكن نعلق على:

فالصورة الأولى: تعتبر عقد إجارة صحيحاً، لما أنه لم يذكر في صلب العقد شيء يخص البيع، وكون الوعد ملزماً أم لا؟ سبق ذكره في جواب السؤال الرابع، وهكذا الحكم في الصورة الثانية.

والصورة الثالثة: يتضمن صلب العقد فيها البيع في النهاية فكأن العاقدين أرادا الإجارة ابتداء، والبيع انتهاء لتحقيق مصالحهما المعتبرة التي ذكرناها في جواب السؤال الثامن، فالمؤجر أراد أن يكون العقد إجارة ابتداء ضماناً لحقوقه، وبيعاً في النهاية لأنه يريد أن يحتفظ بالعين المؤجرة، وليس بحاجة إليها، وقد قضى وطره من خلال ما تحقق له من أرباح، والمستأجر يريده أن يكون عقد إجارة في الابتداء حتى لا يظهر أنه مدين أو بعبارة أخرى حتى لا تظهر مديونيته في ميزانيته، أو أنه ليس له المال الكافي لشرائه، أو أنه ليس مطمئناً في قدرته على الشراء فيضع لنفسه هذه الفرصة، ويريده أن يكون بيعاً في الأخير، لأنه بحاجة إليه ويريد أن يكون مالكاً للعين المستأجرة.

وكون العقد إجارة ابتداءً وبيعاً انتهاءً لا مانع منه في الشريعة الإسلامية، وله نظائره في الفقه الإسلامي منها ما ذكره الفقهاء في المضاربة أنها إذا دفع المال إلى المضارب فهو في حكم الوديعة، لأنه قبضه بأمر المالك، لا على طريق البدل والوثيقة، فإذا اشترى به فهو وكالة، لأنه تصرف في مال الغير بإذنه، فإذا ربح صار شركة، لأنه ملك جزءاً من المال، فإذا فسدت المضاربة صارت إجارة يجب فيها أجر المثل، وإن خالف المضارب صار غاصباً (١) .

غير أن هذا التصرف قد احتوى على عقدين عقد إجارة ناجز اقترن به شرط فاسخ، وعقد بيع معلق على شرط (٢) ، ولذلك لابد من بيان حكم تعليق البيع على شرط، وجمع صفقتين في صفقة واحدة، فبخصوص الجمع بين البيع والإجارة فإن جمهور الفقهاء (المالكية والشافعية في القول الراجح، والحنابلة) أجازوا الجمع بين الإجارة والبيع، جاء في شرح الخرشي: "بخلاف اجتماع الإجارة مع البيع في صفقة واحدة، فيجوز سواء كانت الإجارة في نفس المبيع كما لو باع له جلوداً على أن يخرزها البائع للمشتري نعالاً، أو كانت الإجارة في غير المبيع كما لو باع له ثوباً بدراهم معلومة على أن ينسج له ثوباً آخر، وما أشبه ذلك على المشهور" (٣) .


(١) تحفة الفقهاء للسمرقندي، ط. قطر: ٣/٢٥-٢٦.
(٢) يراجع بحث: أ. د. الشاذلي-السابق-في مجلة المجمع: ٤/٢٦١٥.
(٣) شرح الخرشي على مختصر خليل: ٧/٤؛ ويراجع الذخيرة: ٥/٤١٥؛ ومواهب الجليل: ٧/٥٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>