للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الخطيب الشربيني الشافعي: "ولو جمع في صفقة مختلفي الحكم كإجارة وبيع كأن يقول: أجرتك داري شهراً وبعتك ثوبي هذا بدينار؛ أو إجارة وسلم كأن يقول: أجرتك داري شهراً أو بعتك صاع قمح في ذمتي سلماً بكذا صحاً في الأظهر، ويوزع المسمى على قيمتهما أي قيمة المؤجر من حيث الأجرة، وقيمة المبيع أو المسلم فيه" (١) .

والمقصود بمختلفي الحكم هو أن حكم البيع مختلف عن الإجارة من حيث التأبيد فيه، فالإجارة تقوم على التأقيت، ومن حيث إن المعقود عليه (المبيع) في البيع تنتهي علاقته بالبائع، في حين أن العين المؤجرة تبقى مملوكة للمؤجر، فالبيع ينقل ملكية الرقبة والمنفعة، والإجارة تنقل ملكية المنفعة لمدة زمنية فقط.

وجاء في المغني: "وإذا جمع بين عقدين مختلفي القيمة بعوض واحد كالصرف وبيع ما يجوز التفرق فيه قبل القبض، والبيع، والنكاح، أو الإجارة نحو أن يقول: بعتك هذه الدار وأجرتك الأخرى بألف.. صح العقد فيهما، لأنهما عينان يجوز أخذ العوض عن كل واحدة منهما منفردة، فجاز أخذ العوض عنهما مجتمعتين.." (٢) .

وحتى الحنفية قالوا: وإن شرطا شرطاً لا يقتضيه العقد ولا يلائمه ولأحدهما فيه منفعة إلا أنه متعارف بأن اشترى نعلاً وشراكاً على أن يحذوه البائع جاز استحساناً.. لتعارف الناس كما في الاستصناع، لكنهم قالوا في هذا النوع إذا لم يكن متعارفاً عليه بين الناس لا يجوز (٣) ، فالمثال المتعارف عليه الذي ذكره يجمع بين البيع والإجارة فأجازوه لكنهم اشترطوا أن يكون متعارفاً عليه.

فعلى ضوء ذلك فالجمع بين الإجارة والبيع جائز من حيث المبدأ، والسبب الذي ذكره الفقهاء يصلح لإجارة هذه الصورة من الإجارة المنتهية بالتمليك، وذلك لأنهم قالوا: إن كل تصرف من الإجارة والبيع جائز على الانفراد فلا يمنع من الجمع بينهما، ولاسيما أنه لا يترتب عليه محظور شرعي من الربا وشبهته كما في الجمع بين البيع والسلف، ولأن محل العقد هنا يجوز بيعه، كما يجوز إجارته.

وإذا صحح هذا الجمع بصورته الحالية فإنه من الضروري لصحة كل من العقدين أن يتوافر فيه أركانه وشروطه، فإذا توافر ذلك كله بأن كان الشيء المستأجر، أو المبيع مملوكاً مقبوضاً والعاقدان على أهليتهما الشرعية ولم يوجد مانع شرعي في ذلك فإن العقدين صحيحان عند بعض المعاصرين (٤) .

وأما ما يتضمنه هذا العقد من تعليق البيع على شرط دفع الأقساط فهو محل خلاف كبير بين الفقهاء؛ فجمهور الفقهاء لم يجيزوه في حين أن الإمام مالكاً أجازه في قول (٥) ، وكذلك الإمام أحمد أجازه في رواية رجحها شيخ الإسلام ابن تيمية ودافع عنها (٦) .

وما يقال في هذه الصورة يمكن أن يجري على الصورة الرابعة.


(١) مغني المحتاج: ٢/٤١.
(٢) المغني لابن قدامة: ٤/٢٦٠؛ ومنتهى الإرادات: ٢/٢١.
(٣) تحفة الفقهاء: ٢/٧٤.
(٤) د. حسن الشاذلي: بحثه السابق –ص٢٦٣٢- وابن بيه: بحثه السابق، ص١٢.
(٥) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: ٣/١٧٥-١٧٦.
(٦) مجموع الفتاوى: ٢٩/٣٥٠؛ ويراجع لتفصيل ذلك نظرية الشرط للدكتور حسن الشاذلي، ص٥٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>